الأزمة في أوكرايينا.. والهدف روسيا!
لايمكن تفسير أية ظاهرة سياسية ذات تأثير في عالم اليوم، دون النظر إليها من زاوية التوازن الدولي الجديد، وفي هذا السياق فإن أهم دلالات الحدث الأوكراني أن التوازن يتجه إلى الاستقطاب الحاد، وتتضح وتتثبت أكثر فأكثر خريطة هذه التوازنات الدولية الجديدة
ويلاحظ المراقب إنه مع كل استحقاق جديد يفرضه هذا التوازن وفي أي ساحة من الساحات الدولية أثر تلك المقدمات التي وضعها استفراد قوى الرأسمال المالي العالمي بالهيمنة على العالم خلال ربع القرن الماضي، فالنهب الوحشي، واختراق بنى أجهزة الدولة، وفرض الإملاءات على الحكام التابعين، وتقاسم الثروة بين لصوص هذه البلدان وبين الأوليغارشيا المالية الدولية، الأمر الذي نجد تأثيراته في العديد من دول العالم ومنها الساحة الأوكرانية مؤخراً ففي الوقت التي تكون فيه القوى المتراجعة عاجزة عن الاحتفاظ بمواقعها واستمرار هيمنتها بالطريقة السابقة يحدث الصدام المباشر بينها وبين القوى الصاعدة، ولعل ما يفسر لجوء قوى الرأسمال المالي الدولي إلى أسوأ ظاهرة اجتماعية سياسية أنتجها الصراع الدولي في القرن الماضي (الفاشية) هو أنها في حالة تخبط وتراجع، ودلالة جديدة على العجز السياسي والبؤس الأخلاقي لما يسمى بالعالم الحر، فتصدر قوى الفاشية مشهد الاحتجاجات في الشارع الاوكراني واستخدام تلك الأساليب الفاشية التقليدية في نشر الإرهاب وتعميم الخوف و السيطرة على المقرات الحكومية، ومحاربة الخصوم السياسيين، والهجوم على الرموز الفكرية والسياسية (تمثال لينين) ومقرات الحزب الشيوعي الأوكراني وبدعم مباشر وعلني ووقح من (فقهاء) الحرب والنهب في عواصم الغرب الرأسمالي، وتسخير أغلب وسائل الإعلام لذلك، لا يشكل دليلاً على قوتها بل يشكل دليلاً إضافياً على المأزق الذي وصلت إليه و على رعبها وقلقها الوجودي الذي يقودها إلى الاندحار كما تؤكده التجربة التاريخية.
حاولت نخبة اللصوص الحاكمة في أوكرانيا اللعب على التوازنات الدولية الجديدة لثبيت مواقعها، واستمرار تحكمها بمقاليد الأمور في هذه البلاد التي تحتل موقعاً هاماً في تثبيت التوازنات الدولية الجديدة، واتجاه تطورها اللاحق ولكن حجم التناقضات بين القوى الصاعدة والقوى المتراجعة على المستوى الدولي لم يعد يسمح بمثل هذا الترف في وقت يضيق أكثر فأكثر بين اللاعبين الدوليين الأساسيين، فرئيس الوزراء الجديد مثلاً الذي عيّن من البرلمان كان وزير اقتصاد بين عامي 2005 - 2006 ووزير خارجية عام 2007 ورئيس برلمان عامي 2007 - 2008 أي أنه من خرج من رحم الطبقة السياسية الحاكمة تلك التي أوصلت البلاد إلى ما هي عليه الآن..
روسيا.. الدبلوماسية والاستعداد لما هو أسوأ:
إذا كان تفسخ الطبقة السياسية الحاكمة بما فيها أولئك المحسوبون على روسيا بمثابة الخاصرة الرخوة التي تسللت منها قوى الفاشية الجديدة إلى إحدى الساحات التي تستند إليها روسيا في تثبيت مواقعها الجديدة على الساحة الدولية، واستطاعت تلك القوى أن تخلط الأوراق الروسية مؤقتاً، في فضائها الاقتصادي والسياسي والثقافي، فإن روسيا ليست عديمة الخيارات فيما يحدث فهي من جهة حاولت البحث عن تسوية، وتصر على تطبيق الاتفاق الذي وقع بين الرئيس الأوكراني والمعارضة بحضور القوى الغربية، وتؤكد على إجراء استفتاء بين الشعب الاوكراني حول مستقبل البلاد وعلاقاتها الدولية، ومن جهة أخرى تنشطت خلال الأيام الماضية النشاطات العسكرية الروسية التي تحاول من خلالها بث رسائل سياسية بأن مجموعة من المصنعين بقوة الضخ الإعلامي، وصفقات الفساد المفضوحة لايمكن أن تتحكم بالتوازنات الجديدة، بمعنى آخر لدى روسيا من أوراق القوة الكثير للحفاظ على مواقعها وأهمها وحدة المصالح بين الشعبين الروسي والأوكراني والثقافة المشتركة والمصير المشترك