تركيا وإيران.. علاقات ملزمة!
في الوقت الذي تحاول فيه تركيا التناغم مع إيران وروسيا، يتطور صراع داخلي، من شأنه تهديد هذه العملية، بين رئيس الوزراء وأنصار رجل الدين المحافظ والموجود في المنفى محمد فتح الله غولن مؤسس الحركة المعروفة باسمه. وهو صراع، حسب رواية قياديي «العدالة والتنمية»، يندرج ضمن مؤامرة أجنبية لإزاحة الحزب عن السلطة.
ترجمة وإعداد: جيهان الذياب
تقف حكومة حزب «العدالة والتنمية»، بزعامة رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان، على النقيض من موقف إيران وموسكو بالنسبة للصراع في سورية. إلا أن عمق العلاقات التركية مع إيران وروسيا يتجاوز هذا الموضوع بحكم ارتباط تركيا مع كل من إيران وروسيا ليس بالجغرافيا فحسب، بل بقرون من التاريخ المشترك، بالإضافة إلى العلاقات التجارية المتبادلة والثقافة واللسانيات والتركيبات العرقية.
أمر واقع اقتصادي
ورغم خضوع السياسات التركية والعلاقات السياسية مع إيران وروسيا للتقلبات، فلا يمكن إلغاء الروابط التي تربط المجتمع التركي بالبلدين، بما في ذلك الواقع الاقتصادي للعلاقات البينية معهما. إذ تعتبر طهران وموسكو من أهم الشركاء التجاريين، وأهم مصادر الطاقة بالنسبة لتركيا. وباستثناء ألمانيا، تتجاوز العلاقات التجارية الثنائية، وحجم الصادرات والواردات بين تركيا والبلدين، حجم أي علاقة تجارية أخرى بين أنقرة والبلدان الأخرى.
وفي ضوء ادراك أهمية العلاقات الاقتصادية التي تربط تركيا بإيران، فمن الجدير ملاحظته أن العقوبات الأحادية المفروضة من الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي على إيران تضر بالاقتصاد التركي. فالأتراك بحاجة للطاقة الإيرانية من نفط وغاز، وعندما طلبت واشنطن من أنقرة وقف واردات الطاقة الإيرانية فهي كانت تتوقع أساساً من الحكومة التركية أن تقوم بكامل وعيها بشل قدرات الاقتصاد التركي خدمة للأجندات الأمريكية.
ولكن حتى في ظل العقوبات التي تقودها واشنطن على إيران باعتبارها شكلاً من أشكال التلاعب والحروب الاقتصادية، حاولت الشركات التركية وحكومة حزب «العدالة والتنمية» الحفاظ على العلاقات الاقتصادية مع إيران، ولاسيما في مجال الطاقة، سواءً بشكلٍ علني أو سري، حتى أن تركيا عملت كقناة سرية لإيران، لتفادي العقوبات الأمريكية والأوربية المفروضة عليها.
العثمانية الجديدة: شتاء في العلاقات الخارجية التركية
تفاقمت الأضرار الاقتصادية على تركيا، التي سببها نظام العقوبات المفروض على إيران، منذ عام 2011، ولكن أيضاً من خلال مجموع الحسابات الخاطئة للحكومة التركية، بالإضافة للأحداث الداخلية، حيث جاءت هذه الحسابات الخاطئة، في جزء كبير منها، نتيجة تحول السياسة الخارجية لأحمد داوود أوغلو القائمة على صيغة «صفر مشاكل» المحابية للتجارة والأعمال افتراضاً إلى سياسة العثمانية الجديدة الأكثر عدوانية.
واعتقد كبار الساسة الأتراك أن «الربيع العربي» سيرفع من شأن تركيا كقوة إقليمية. وشجعت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي هذه الرؤية، بتعزيز ما يسمى «النموذج التركي» للعرب، لتدفع بحكومة «العدالة والتنمية»، نحو الابتعاد عن سياسة «صفر مشاكل»، في السعي لتحقيق أحلام العثمانية الجديدة في التفوق الاقتصادي والسياسي التركي، دون منازع في العالم العربي.
وبالإضافة للأضرار الاقتصادية التي سببها «العدالة والتنمية» لتركيا، ظهرت العواقب السياسية والأمنية، جراء دعم تركيا للمسلحين في سورية، بالتدريب والتسليح والتمويل على الأراضي التركية أيضاً. لقد تضرر الاقتصاد التركي، وازداد التوتر السياسي الداخلي، وظهرت الأضرار الناجمة عن السياسات الاقتصادية النيوليبرالية لحزب «العدالة والتنمية»، وصار الحزب أكثر استبداداً لحماية سلطته، فاحتجاجات حديقة «غيزي»، التي انتشرت من اسطنبول إلى كل أنحاء تركيا، عام 2013، كانت انعكاساً لهذه التوترات الداخلية.
عن موقع «غلوبال ريسيرتش»