إشكاليات الصراع الطبقي والوطني في الأزمة العراقية
من مآسي الوضع العراقي الراهن، أن يتحول العراق، وادي الرافدين وحقيقة وجوده التاريخي بوصفه موطن أور وبابل وآشور إلى موضع تشكيك للقوى السياسية العرقية والطائفية ، القادمة إلى السلطة إثر احتلاله في 9/4/2003.
أخذت هذه القوى تروِّج لفكرة «العراق المصنَّع وفق اتفاقية سايكس ـــــ بيكو». وهي، في الجوهر، دعوات لتفتيت العراق تحكَّمت بهذه القوى عند كتابة الدستور، وإصرارها على تضمينه الفيدرالية التقسيمية، هذا الدستور الذي كان نتاج الاحتلال فولد مشوهاً، على عكس دساتير مصر وتونس الوطنية الديمقراطية المولودة من رحم الثورات الشعبية، الدستور بوصفه الوثيقة الوطنية، الضامنة لوجود الوطن، والحفاظ على الهوية الوطنية في ظل الدولة الوطنية الديمقراطية.
وإذا كان النظام الدكتاتوري النتاج الخاص للإمبريالية الأمريكية، والذي استكمل مسيرة المستعمر البريطاني بأدوات جديدة لتحقيق ذات الهدف (نهب الثروات الوطنية العراقية)، فإن نظام 9/نيسان/2003 قد شرعن السياسة العنصرية للنظام الدكتاتوري المعادي للشعب العراقي.
ولعلَّ نتائج التصويت على الدستور، المفبرك أمريكياً، تبرهن على حقيقة الشرخ القومي ـــــ الطائفي الذي أحدثه النظام الدكتاتوري في المجتمع، وتعميق هذا الشرخ على يد النظام الحالي، والذي تجلَّى بالنتائج المؤيدة والمعارضة للدستور المسخ. ففي المناطق الشمالية، السليمانية وأربيل ودهوك، كانت نسبة التأييد 99%، وفي المناطق الوسطى والجنوبية، من بغداد إلى البصرة، وصلت النسبة المؤيدة إلى 96% ، على عكس المناطق الغربية، الأنبار وصلاح الدين، التي عارضت بنسبة 90%. أما في كركوك والموصل وديالى، فإنها وصلت إلى 50%، كمعدل وسط.
إن إنكار التمييز الطائفي والإثني في العراق لا يجدي نفعاً، ولا يمكنه تغطية الحقيقة المرة، التي تقول بأن النظام السياسي في العراق كان طائفياً، على المكشوف، إبان فترة الاستعمار البريطاني، وطائفياً مبطناً، خلال فترة النظام الدكتاتوري الساقط على يد أسياده الأمريكان، وما بينهما وطنياً عراقياً إبان فترة حكم ثورة 14 تموز 1958-1963.
وكذلك، تبرهن نتائج الاستفتاء على الدستور على انتشار ثقافة الانتقام التي بدأ العمل على ترويجها في أوساط بعض المكونات العراقية من جهة، أما معارضة المنطقة الغربية للدستور، فهي مبنية على أسس طائفية ومناطقية، تعبيراً عن فقدانها السلطة، والتي وصلت هيمنتها فيها حداً ينصَّب فيه محافظين، من مناطقها، على مدنٍ في الوسط والجنوب والشمال، كميسان والبصرة والسليمانية.. فيما ترفض اليوم دخول الجيش العراقي إليها!
إذاً، فإن فترة جمهورية 14 تموز 1958، حتى انقلاب 8 شباط 1963، الفاشي الأمريكي الصنع، تميزت بالصراع الطبقي الوطني، من أجل الحفاظ على استقلال العراق السياسي، وإنجاز الاستقلال الاقتصادي، بمجموعة من الإجراءات الثورية الاقتصادية ـــــــ الاجتماعية لمصلحة المهمَّشين، وفي مقدمتها الحفاظ على الثروات الوطنية، وإعلان الدستور العراقي الذي اعتبر العرب والأكراد شركاء في الوطن، والإصلاح الزراعي وقانون العمل والتعليم المجاني، وتحرير العراق من الارتباط بالعملة الإسترلينية، وقانون الأحوال الشخصية..الخ. هذه السياسات قد أضعفت، إلى حد كبير، من دور العاملين الطائفي والإثني في الصراع، لمصلحة هيمنة الصراع الطبقي، من أجل العدالة الاجتماعية، والوطني لاستكمال مسيرة الاستقلال السياسي بالاستقلال الاقتصادي.
اليوم، ونتيجة للآثار الكارثية التي نتجت عن حروب النظام الدكتاتوري، بالنيابة عن الإمبريالية الأمريكية، وفترة الحصار الطويل المميت، وعقد من الاحتلال ونظام المحاصصة الطائفية التدميري، فإن المهمة الكبرى هي استعادة بوصلة الصراع الطبقي والوطني وقيادته، فهو الكفيل بإضعاف دور العاملين الطائفي والإثني، واستعادة الصراع، لمصلحة المعركة الطبقية من أجل الحرية والعدالة الاجتماعية، والمعركة الوطنية من أجل استكمال السيادة الوطنية، وتأسيس الدولة الوطنية الديمقراطية.
* منسق التيار اليساري الوطني العراقي
عضو لجنة العمل اليساري العراقي المشترك