خطة توطين اللاجئين في الاردن 2/2
كانت قاسيون قد نشرت في العدد 639 القسم الأول من مقالة الكاتب والإعلامي نافذ أبو حسنة، التي تبحث في المسألة القديمة – المتجددة والتي تتجسد بالأدوار والتجاذبات التاريخية المتعلقة بتوطين اللاجئين الفلسطينيين في شرق الأردن، وتنشر قاسيون في هذا العدد القسم الثاني من المقال.
فك الروابط .. تعزيز الارتباط
لم يعن قرار فك الروابط نهاية للعلاقة الشائكة الطويلة. في اتفاقية وادي عربة تم التأكيد على أن الولاية على المقدسات والأوقاف في مدينة القدس، تظل للحكومة الأردنية. أغضب هذا الأمر السلطة الفلسطينية مجددا. وهي لم تكن راضية أصلا. الأسباب وراء الغضب كثيرة. السلطة الفلسطينية اعتبرت أن الحكم الأردني يريد إفشال اتفاق اوسلو الذي تعول عليه السلطة ليهديها دولة في آخر المطاف. وفي موضوع القدس، لم تحم الولاية الأردنية المدينة من مخططات التهويد المتسارعة.
عاد التجاذب من جديد، ولكن بوتائر منخفضة عما كانت عليه سابقا. وفي هذا التوقيت بالذات بدأت أصوات أردنية ترى إلى الفلسطينيين خطرا، تعزز من حضورها. امتزج تحليلها للوضع القائم، بنوع من الحقد العنصري. وبدلا من تحميل الاحتلال الصهيوني المسؤولية الأساسية عن كل ما يحدث، جرى الحديث عن مؤامرة يتورط الفلسطينيون فيها. وبدلا من تحشيد الجهود لمواجهة الأخطار على الأردن وفلسطين، جرى جلد الضحية بقسوة، ولومها على موتها.
تعزز اتجاه «الأردنة»، وواجه فلسطينيون كانوا في السابق سعداء بجواز السفر الأردني، معاناة إخوانهم من حملة وثائق السفر للاجئين الفلسطينيين. ومؤخرا عادت تلك الأصوات للظهور بقوة مع تزايد المؤشرات على أن الأردن سيحتل دورا محوريا في تنفيذ خطة الوزير الأمريكي جون كيري للتسوية. وثمة تسريبات عن وجود أردني على طاولة المفاوضات بصفة مراقب. وهذا المراقب منشغل بثلاثة مواضيع أساسية : الأغوار واللاجئين. والعلاقة المستقبلية مع الدولة الفلسطينية .
لا بد من التذكير هنا بأن البند الثامن من اتفاقية وادي عربة ينص على توطين اللاجئين الفلسطينيين الموجودين في الأردن. وبشكل نهائي. واليوم تثار مخاوف بشأن قرار أردني يتعلق بمنح الجنسية الأردنية لأبناء الأردنيات.
ضابط أردني سابق وجه كلاما قاسيا بحق الأردنيات المشغولات بالإنجاب. وصحافيون استخلصوا أن المقصود من القرار تجنيس ثلاثمئة ألف فلسطيني من أبناء الأردنيات. تجنيس نسبي يضمن حق الإقامة الدائمة والعمل، والحصول على جوازات سفر بمدة كاملة، وهي الجوازات المعروفة بجوازات السنوات الخمس. وهؤلاء الثلاثمائة ألف سينضمون إلى اللاجئين الفلسطينيين الموطنين في الأردن. سواء ممن هم في الأردن الآن أو في الضفة الغربية.
يحق لكثيرين اعتبار هذا الأمر جزءا من تنفيذ خطة الوزير الأمريكي. جون كيري نفسه كان قد قال صراحة، وبوضوح كامل: إن الأردن ليس فقط لتوطين الأردنيين من أصول فلسطينية. هو من بين الأماكن المخصصة لاستيعاب أعداد جديدة منهم. وشأنه في ذلك شان كندا واستراليا.
هناك نقطة هامة أخرى. ثمة حديث عن التعويضات للاجئين (تطبيق مجتزأ للقرار194). والحديث هذه المرة عن مبالغ سوف تصرف، ولكن ليس للاجئين مباشرة، بل للدول التي تستوعبهم. والأردن من الدول التي تضم أعدادا كبيرة من اللاجئين ويريد الإفادة من هذا البازار البائس، رغم أن الحصيلة المتوقعة بحسب المصادر الأردنية لن تتعدى الأربعة مليارات دولار، تدفع للخزينة الأردنية. وهذا المبلغ المتحصل عن مجموع التعويضات الفردية، فضلا عن تعويضات الدول الراعية وتعويضات العقارات.
كيري والمواجهة
لا يملك عاقل القدرة على التخفيف من المخاطر المترتبة على خطة وزير الخارجية الأمريكي، وهو للمناسبة أعلن عن قرب تقدمه باتفاقية إطار خلال الأسابيع القادمة. وعند الحديث عن المخاطر، فإنها ليست مقتصرة على الفلسطينيين، أو اللاجئين منهم وحسب. ما يخطط له الوزير الأمريكي هو تقويض للقضية الفلسطينية كلها. ولهذا انعكاسه الكبير على فلسطين والمحيط. وربما يكون الأردن من بين الأكثر تأثرا. ولكن هذا ليس ذنب الشعب الفلسطيني. حتى نصب عليه جام الغضب، في ظرف يتعرض فيه أصلا لشيطنة مقصودة، تفوق كثيرا تلك السردية المغلوطة، وشديدة الإيذاء عن شعب باع أرضه. ثم جاء ليحتل بلادا عربية.
وإذا كانت المسؤولية الكبرى هي على عاتق الشعب الفلسطيني، في الدفاع عن حقوقه، والتصدي لمحتلي أرضه، فإن مسؤولية العرب كبيرة أيضا الشعوب والحكومات. لا يلام الشعب الفلسطيني على من ينشغلون اليوم في احتساب عائدات التوطين، وإن كان سيلام على تمرير مشروع كيري، فإن الاخرين سيلامون على أشياء كثيرة أيضا. لنكن معا جميعا في وجه هذه المؤامرة الجديدة...والخطيرة جدا أيضا.