خطة توطين اللاجئين في الأردن 1/2
نافذ أبو حسنة نافذ أبو حسنة

خطة توطين اللاجئين في الأردن 1/2

بعيدا‭ ‬عن‭ ‬بعض‭ ‬التعبيرات‭ ‬التي‭ ‬انتشرت‭ ‬في‭ ‬الأيام‭ ‬القليلة‭ ‬الماضية،‭ ‬وهي‭ ‬تحمل‭ ‬إيحاءات‭ ‬عنصرية،‭ ‬ويظهر‭ ‬لدى‭ ‬مستخدميها‭ ‬ميل‭ ‬مقيم،‭ ‬سابق‭ ‬على‭ ‬نشر‭ ‬مقالاتهم‭ ‬الأخيرة،‭ ‬إلى‭ ‬تحميل‭ ‬الضحية‭ ‬المسؤولية‭ ‬الكاملة‭ ‬عن‭ ‬موتها،‭ ‬فإن‭ ‬خطرا‭ ‬جديا‭ ‬يتهدد‭ ‬قضية‭ ‬اللاجئين‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬كما‭ ‬يتهدد‭ ‬مستقبل‭ ‬مملكة‭ ‬الأردن،‭ ‬تحت‭ ‬ضغط‭ ‬مشروع‭ ‬كيري‭ ‬للتسوية‭. ‬والذي‭ ‬ينصرف‭ ‬في‭ ‬جانب‭ ‬كبير‭ ‬منه‭ ‬نحو‭ ‬العمل‭ ‬على‭ ‬إنهاء‭ ‬قضية‭ ‬اللاجئين‭ ‬الفلسطينيين،‭ ‬مستخدما‭ ‬وصفة‭ ‬تقليدية‭ (‬أمريكية‭) ‬قديمة‭: ‬التوطين‭.‬

 

منذ‭ ‬أواسط‭ ‬خمسينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي،‭ ‬والأمريكيون‭ ‬يروجون‭ ‬لحل‭ ‬وحيد‭ ‬لقضية‭ ‬اللاجئين‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬الذين‭ ‬اقتلعوا‭ ‬من‭ ‬أرضهم‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬العصابات‭ ‬الصهيونية‭. ‬يتمثل‭ ‬هذا‭ ‬الحل‭ ‬في‭ ‬العمل‭ ‬على‭ ‬توطينهم‭ ‬في‭ ‬الأماكن‭ ‬التي‭ ‬التجأوا‭ ‬إليها‭ ‬بعد‭ ‬اقتلاعهم‭ ‬من‭ ‬دورهم‭ ‬وبيوتهم‭. ‬وإعادة‭ ‬تهجير‭ ‬البعض‭ ‬منهم‭ ‬إلى‭ ‬مواطن‭ ‬جديدة،‭ ‬تكون‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬استيعابهم،‭ ‬والأهم‭ ‬دمجهم‭ ‬وتذويبهم‭.‬

لم‭ ‬تنجح‭ ‬هذه‭ ‬المشاريع‭ ‬وفق‭ ‬الصيغ‭ ‬التي‭ ‬طرحت‭ ‬بها‭. ‬رفض‭ ‬اللاجئون‭ ‬الذوبان‭ ‬والتخلي‭ ‬عن‭ ‬هويتهم‭ ‬متمسكين‭ ‬بحقهم‭ ‬في‭ ‬العودة‭. ‬ولم‭ ‬تظهر‭ ‬لدى‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬حماسة‭ ‬كافية‭ ‬للتنفيذ،‭ ‬ولأسباب‭ ‬عديدة‭ ‬لا‭ ‬يتسع‭ ‬المجال‭ ‬للتفصيل‭ ‬فيها‭. ‬ثم‭ ‬انطلقت‭ ‬الثورة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬المعاصرة،‭ ‬وهي‭ ‬تحمل‭ ‬شعارات‭ ‬التحرير‭ ‬والعودة،‭ ‬وبدا‭ ‬لبعض‭ ‬الوقت‭ ‬أن‭ ‬مشاريع‭ ‬التوطين‭ ‬قد‭ ‬ولت‭ ‬إلى‭ ‬غير‭ ‬رجعة‭. ‬وأن‭ ‬القوى‭ ‬الثورية‭ ‬التي‭ ‬ستحرر‭ ‬الأرض،‭ ‬سوف‭ ‬تعيد‭ ‬المقتلعين‭ ‬إليها‭ ‬بعد‭ ‬تحريرها‭. ‬ومعروف‭ ‬أن‭ ‬واحدا‭ ‬من‭ ‬الأوصاف‭ ‬التي‭ ‬أطلقت‭ ‬على‭ ‬الثورة‭ ‬المعاصرة،‭ ‬هو‭ ‬ثورة‭ ‬أبناء‭ ‬اللاجئين‭.‬

جرت‭ ‬مياه‭ ‬كثيرة‭ ‬في‭ ‬النهر‭ ‬منذ‭ ‬ذلك‭ ‬الحين‭. ‬لكن‭ ‬الأكيد‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬المملكة‭ ‬الأردنية‭ ‬كان‭ ‬لها‭ ‬موقف‭ ‬آخر‭. ‬وهي‭ ‬سلكت‭ ‬طريقا‭ ‬نحو‭ ‬توطين‭ ‬اللاجئين‭ ‬الفلسطينيين،‭ ‬وتذويب‭ ‬الهوية‭ ‬الوطنية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬منذ‭ ‬وقت‭ ‬مبكر،‭ ‬أي‭ ‬في‭ ‬أعقاب‭ ‬نكبة‭ ‬فلسطين‭ ‬مباشرة‭.‬

‮ ‬علاقة‭ ‬يحكمها‭ ‬الخوف

عدا‭ ‬عن‭ ‬السردية‭ ‬التي‭ ‬تربط‭ ‬بين‭ ‬ميلاد‭ ‬الكيان‭ ‬الأردني،‭ ‬وبين‭ ‬الدور‭ ‬الوظيفي‭ ‬له،‭ ‬وخصوصا‭ ‬بشأن‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬يميل‭ ‬كثيرون‭ ‬إلى‭ ‬اعتبار‭ ‬العلاقة‭ ‬الأردنية‭ ‬–‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬علاقة‭ ‬يحكمها‭ ‬الخوف‭ ‬المتبادل‭. ‬يخاف‭ ‬الأردنيون‭ ‬على‭ ‬وجود‭ ‬الكيان،‭ ‬وهوية‭ ‬البلاد،‭ ‬ويخاف‭ ‬الفلسطينيون‭ ‬من‭ ‬المناهضة‭ ‬الأردنية‭ ‬للكيان‭ ‬الوطني‭ ‬الفلسطيني‭.‬

ويجري‭ ‬الربط‭ ‬عادة‭ ‬بين‭ ‬وجود‭ ‬هذه‭ ‬العلاقة‭ ‬الإشكالية،‭ ‬وبين‭ ‬إصرار‭ ‬تيار‭ ‬صهيوني‭ ‬كبير‭ (‬حيروت،‭ ‬ثم‭ ‬الليكود،‭ ‬واتجاهات‭ ‬أخرى‭) ‬على‭ ‬اعتبار‭ ‬شرق‭ ‬الأردن‭ ‬وطن‭ ‬الفلسطينيين،‭ ‬أو‭ ‬ما‭ ‬يطلق‭ ‬عليه‭ ‬اسم‭ ‬‮«‬الوطن‭ ‬البديل‮»‬‭. ‬وسعي‭ ‬هذا‭ ‬التيار‭ ‬إلى‭ ‬حل‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬الكيان‭ ‬الأردني‭. ‬التيار‭ ‬المذكور‭ ‬جاهر‭ ‬بذلك‭ ‬علنا‭. ‬وهو‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬موجودا‭ ‬في‭ ‬دولة‭ ‬العدو‭ ‬الصهيوني،‭ ‬بصرف‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬حجمه‭. ‬والتراجع‭ ‬الذي‭ ‬لحق‭ ‬به‭.‬

ثمة‭ ‬سياق‭ ‬آخر‭ ‬للرواية،‭ ‬يبدأ‭ ‬مع‭ ‬ما‭ ‬يعرف‭ ‬بمشروع‭ ‬الأمير‭ ‬عبد‭ ‬الله،‭ ‬الموازي‭ ‬لمشروع‭ ‬‮«‬ووكهيد‮»‬‭ ‬البريطاني‭ ‬الذي‭ ‬اقترح‭ ‬تقسيم‭ ‬فلسطين‭.(‬1937‭). ‬الأمير‭ ‬أراد‭ ‬‮«‬دولة‭ ‬عربية‭ ‬واحدة‭ ‬تقوم‭ ‬على‭ ‬ضفتي‭ ‬الأردن،‭ ‬واقترح‭ ‬حكما‭ ‬ذاتيا‭ ‬لليهود”‭.‬

سقط‭ ‬المشروع‭. ‬ولكن‭ ‬الذاكرة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬احتفظت‭ ‬بالنسق‭ ‬الإشكالي‭ ‬للعلاقة‭ ‬بين‭ ‬الأمير‭ ‬عبد‭ ‬الله،‭ ‬ورمز‭ ‬الوطنية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬في‭ ‬حينه،‭ ‬المفتي‭ ‬أمين‭ ‬الحسيني‭. ‬يتردد‭ ‬أن‭ ‬الأمير‭ ‬أعاق‭ ‬كثيرا‭ ‬دور‭ ‬المفتي‭. ‬وواجهه‭ ‬في‭ ‬جامعة‭ ‬الدول‭ ‬العربية،‭ ‬وأسقط‭ ‬محاولاته‭ ‬لإعلان‭ ‬دولة‭ ‬فلسطينية،‭ ‬قبل‭ ‬النكبة‭ ‬لتكون‭ ‬كيانا‭ ‬للفلسطينيين،‭ ‬كما‭ ‬أحبط‭ ‬مشروعا‭ ‬للإدارة‭ ‬اقترحه‭ ‬المفتي‭ ‬قبيل‭ ‬وقوع‭ ‬النكبة،‭ ‬ثم‭ ‬ناصب‭ ‬حكومة‭ ‬عموم‭ ‬فلسطين‭ ‬المعلنة‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬عداء‭ ‬شديدا‭. ‬تسبب‭ ‬في‭ ‬عزلها‭ ‬لاحقا‭. ‬ولم‭ ‬يكتف‭ ‬بذلك،‭ ‬بل‭ ‬عقد‭ ‬بالتوازي‭ ‬مع‭ ‬تحرك‭ ‬الحسيني‭ ‬مؤتمرين‭ ‬في‭ ‬أريحا،‭ ‬ثم‭ ‬عمان‭ ‬أسفرا‭ ‬عمليا‭ ‬عن‭ ‬إلحاق‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية‭ ‬لنهر‭ ‬الأردن‭ ‬بالضفة‭ ‬الشرقية،‭ ‬لتصير‭ ‬جزءا‭ ‬من‭ ‬المملكة‭ ‬الأردنية‭ ‬الهاشمية‭. ‬ما‭ ‬عنى‭ ‬تقويضا‭ ‬لمشروع‭ ‬‮«‬الدولة‭ ‬الفلسطينية‮»‬‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬تبقى‭ ‬من‭ ‬فلسطين‭.‬

عومل‭ ‬الفلسطينيون‭ ‬المقيمون‭ ‬في‭ ‬الضفة‭ ‬الشرقية‭ ‬بعد‭ ‬النكبة‭ ‬بوصفهم‭ ‬مواطنين‭ ‬أردنيين‭ ‬كاملي‭ ‬المواطنة‭. ‬ومثلهم‭ ‬فلسطينيو‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية‭ ‬بعد‭ ‬مؤتمر‭ ‬عمان‭. ‬حصل‭ ‬هؤلاء‭ ‬على‭ ‬جوازات‭ ‬سفر‭ ‬وبطاقات‭ ‬أردنية‭. ‬ومنعوا‭ ‬من‭ ‬الالتحاق‭ ‬بجيش‭ ‬التحرير‭ ‬الفلسطيني‭ ‬الذي‭ ‬شكله‭ ‬الشقيري‭ ‬بعد‭ ‬إعلانه‭ ‬قيام‭ ‬منظمة‭ ‬التحرير‭ ‬الفلسطينية‭. ‬إعلان‭ ‬لم‭ ‬يمر‭ ‬دون‭ ‬ممانعة‭ ‬أردنية‭ ‬كبيرة،‭ ‬وصفقات‭ ‬تسوية‭ ‬بين‭ ‬الملك‭ ‬حسين‭ ‬وبين‭ ‬أحمد‭ ‬الشقيري‭. ‬من‭ ‬أجل‭ ‬موافقة‭ ‬أردنية‭ ‬على‭ ‬عقد‭ ‬المؤتمر‭ ‬التأسيسي‭ ‬للمنظمة‭ ‬في‭ ‬القدس‭ ‬الواقعة‭ ‬تحت‭ ‬السلطة‭ ‬الأردنية‭.‬

من‭ ‬ثم‭ ‬جاءت‭ ‬مرحلة‭ ‬تنازع‭ ‬شرعية‭ ‬تمثيل‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭. ‬شن‭ ‬الصهاينة‭ ‬عدوان‭ ‬حزيران‭ ‬عام‭ ‬سبعة‭ ‬وستين،‭ ‬واحتلوا‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية‭ ‬وبضمنها‭ ‬القدس‭. ‬لكن‭ ‬الحكم‭ ‬الأردني‭ ‬لم‭ ‬يقبل‭ ‬بالتخلي‭ ‬عن‭ ‬دوره‭. ‬خاض‭ ‬الطرفان‭ ‬صراعا‭ ‬داميا‭ ‬في‭ ‬أيلول‭ ‬1970،‭ ‬وطرح‭ ‬الملك‭ ‬الأردني‭ ‬مشروع‭ ‬المملكة‭ ‬المتحدة‭. ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يقر‭ ‬للمنظمة‭ ‬على‭ ‬مضض‭ ‬بحقها‭ ‬في‭ ‬تمثيل‭ ‬الفلسطينيين‭. ‬وظلت‭ ‬العلاقة‭ ‬بين‭ ‬مد‭ ‬وجزر‭ ‬حتى‭ ‬أعلن‭ ‬الملك‭ ‬حسين‭ ‬عن‭ ‬فك‭ ‬الروابط‭ ‬الإدارية‭ ‬والقانونية‭ ‬مع‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية‭ ‬عام‭ ‬1988،‭ ‬في‭ ‬ذروة‭ ‬صعود‭ ‬الانتفاضة‭ ‬الشعبية‭ ‬الفلسطينية‭.‬