الدرع الصاروخية وآفاق الصراع العالمي

الدرع الصاروخية وآفاق الصراع العالمي

يتصاعد‭ ‬اليوم،‭ ‬في‭ ‬البقع‭ ‬المشتعلة‭ ‬على‭ ‬الكرة‭ ‬الأرضية،‭ ‬التناقض‭ ‬الكبير‭ ‬داخل‭ ‬بيت‭ ‬الرأسمالية‭. ‬ويمتدُّ‭ ‬هذا‭ ‬التصدع‭ ‬من‭ ‬سورية‭ ‬والمنطقة‭ ‬العربية‭ ‬إلى‭ ‬الفضاء‭ ‬الاستراتيجي‭ ‬الروسي‭ ‬والشرق‭ ‬الأقصى‭ ‬وإفريقيا‭ ‬الجائعة‭ ‬وأمريكا‭ ‬اللاتينية‭.‬

 

ويأتي‭ ‬التصدع‭ ‬تعبيراً‭ ‬عن‭ ‬حالة‭ ‬موازين‭ ‬القوى‭ ‬الجديدة‭ ‬بين‭ ‬القطبين،‭ ‬وما‭ ‬قضية‭ ‬الدرع‭ ‬الصاروخية‭ ‬الأمريكية‭ ‬إلا‭ ‬إحدى‭ ‬حالات‭ ‬التناقض‭ ‬العالمي‭ ‬بين‭ ‬روسيا‭ ‬والولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭.‬

حول‭ ‬خطط‭ ‬الناتو‭ ‬لغزو‭ ‬روسيا

جاء‭ ‬في‭ ‬تقرير‭ ‬اتحاد‭ ‬الضباط‭ ‬السوفييت‭ ‬الذي‭ ‬قدمه‭ ‬العماد‭ ‬‮«‬أوليغ‭ ‬شينين‮»‬‭ ‬إلى‭ ‬المكتب‭ ‬التنفيذي‭ ‬للاتحاد،‭ ‬نهاية‭ ‬عام‭ ‬2005،‭ ‬تفاصيل‭ ‬دقيقة‭ ‬حول‭ ‬الجرائم‭ ‬التي‭ ‬ارتكبت‭ ‬ضد‭ ‬الجيش،‭ ‬بعد‭ ‬انهيار‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفييتي،‭  ‬فقد‭ ‬انهارت‭ ‬الروح‭ ‬المعنوية‭ ‬للجيش‭ ‬بعد‭ ‬الانسحاب‭ ‬من‭ ‬أفغانستان،‭ ‬وتعرَّض‭ ‬لهزيمة‭ ‬في‭ ‬حرب‭ ‬الشيشان‭ ‬الأولى‭ ‬‮«‬1994‭-‬1996‮»‬،‭ ‬وسُلبت‭ ‬كل‭ ‬الحقوق‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والمزايا‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬الجنود‭ ‬والضباط‭ ‬يتمتعون‭ ‬بها‭ ‬في‭ ‬السابق،‭ ‬بل‭ ‬وصل‭ ‬الأمر‭ ‬بيلتسن‭ ‬وفريقه‭ ‬إلى‭ ‬حدِّ‭ ‬بيع‭ ‬وتأجير‭ ‬الفضاء‭ ‬الروسي‭ ‬لحلف‭ ‬الناتو،‭ ‬وإيقاف‭ ‬الطلعات‭ ‬الجوية‭ ‬الاستراتيجية‭. ‬كلّ‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬التحضير‭ ‬لغزو‭ ‬روسيا‭.‬

وفي‭ ‬عام‭ ‬1996،‭ ‬كشف‭ ‬الجنرال‭ ‬المتقاعد‭ ‬‮«‬ماكاشوف‮»‬‭ ‬عن‭ ‬هذه‭ ‬الخطط‭ ‬التي‭ ‬أعدت‭ ‬في‭ ‬دوائر‭ ‬الناتو،‭  ‬وأوكار‭ ‬العدوانية‭ ‬الأمريكية‭ ‬لغزو‭ ‬روسيا‭. ‬وهي‭ ‬الحلقة‭ ‬الأخيرة‭ ‬في‭ ‬المشروع‭ ‬الصهيوني،‭ ‬الهادف‭ ‬للتحطيم‭ ‬النهائي‭ ‬للشعب‭ ‬الروسي،‭ ‬والاستيلاء‭ ‬على‭ ‬ثرواته‭ ‬البالغ‭ ‬نسبتها‭ ‬40‭ % ‬من‭ ‬ثروات‭ ‬الأرض‭.‬

العقيدة‭ ‬العسكرية‭ ‬الجديدة

على‭ ‬إثر‭ ‬هذه‭ ‬الممارسات‭ ‬التي‭ ‬ارتكبت‭ ‬بحق‭ ‬الجيش‭ ‬في‭ ‬عهد‭ ‬يلتسن،‭ ‬بُنيت‭ ‬العقيدة‭ ‬العسكرية‭ ‬الروسية‭ ‬الجديدة‭ ‬بعد‭ ‬عام‭ ‬2000،‭ ‬والتي‭ ‬تقول‭ ‬بفكرتين‭ ‬أساسيتين،‭ ‬وهما‭ ‬تحضير‭ ‬الجيش‭ ‬لصدِّ‭ ‬أي‭ ‬عدوان‭ ‬خارجي‭ ‬محتمل،‭ ‬أو‭ ‬عدوان‭ ‬إرهابي‭ ‬داخلي،‭ ‬فعادت‭ ‬روسيا‭ ‬بالتدريج‭ ‬إلى‭ ‬ممارسة‭ ‬دور‭ ‬الدولة‭ ‬العظمى،‭ ‬وكان‭ ‬ذلك‭ ‬واضحاً‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬إعادة‭ ‬الطلعات‭ ‬الجوية‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬حول‭ ‬العالم،‭ ‬والحرب‭ ‬الجورجية‭ ‬ــــــ‭ ‬الروسية،‭ ‬والموقف‭ ‬الروسي‭ ‬من‭ ‬قضية‭ ‬‮«‬كوسوفو‮»‬‭ ‬التي‭ ‬بشرت‭ ‬بانتهاء‭ ‬القطب‭ ‬الواحد،‭ ‬السائد‭ ‬منذ‭ ‬انهيار‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفييتي،‭  ‬حتى‭ ‬وصل‭ ‬العالم‭ ‬إلى‭ ‬حالة‭ ‬توازن‭ ‬القوى‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬تجلى‭ ‬خلال‭ ‬الأزمة‭ ‬السورية،‭ ‬وما‭ ‬يرافقها‭ ‬من‭ ‬استحقاقات‭ ‬دولية‭ ‬وإقليمية‭.‬

حقيقة‭ ‬الدرع‭ ‬الصاروخية

بعد‭ ‬جنيف‭ ‬الإيراني،‭ ‬صرَّح‭ ‬مسؤولون‭ ‬عسكريون‭ ‬في‭ ‬روسيا‭ ‬أن‭ ‬حجة‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬بالتذرع‭ ‬بالخطر‭ ‬الإيراني،‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬نشر‭ ‬الدرع‭ ‬الصاروخية‭ ‬الأمريكية‭ ‬في‭ ‬أراضي‭ ‬أوروبا‭ ‬الشرقية‭ ‬غير‭ ‬مقنعة،‭ ‬وأن‭ ‬هذه‭ ‬الصواريخ‭ ‬موجَّهة‭ ‬ضد‭ ‬روسيا‭ ‬بالدرجة‭ ‬الأولى‭.‬

وكان‭ ‬الرئيس‭ ‬الروسي‭ ‬‮«‬ديمتري‭ ‬ميدفيديف‮»‬‭ ‬قد‭ ‬هدَّد،‭ ‬أواسط‭ ‬عام‭ ‬2011،‭ ‬بنشر‭ ‬منظومة‭ ‬صواريخ‭ ‬‮«‬إس400‮»‬‭  ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬كالينينغراد‭ ‬الغربية،‭ ‬وكراسنودار‭ ‬الجنوبية،‭ ‬وصواريخ‭ ‬اسكندر‭ ‬التكتيكية‭ ‬على‭ ‬طول‭ ‬حدودها‭ ‬مع‭ ‬الناتو،‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬استمرت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬بنشر‭ ‬منظومة‭ ‬صواريخها‭ ‬في‭ ‬أوروبا‭ ‬الشرقية‭.‬

كما‭ ‬صرح‭ ‬وزير‭ ‬الدفاع‭ ‬الأمريكي‭ ‬‮«‬تشاك‭ ‬هاجل‮»‬‭ ‬إن‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬وحلفاءها‭ ‬سيواصلون‭ ‬تنفيذ‭ ‬خطط‭ ‬الدفاع‭ ‬الصاروخي‭ ‬في‭ ‬أوروبا،‭ ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬الاتفاق‭ ‬الإيراني‭ ‬المؤقت‭. ‬لكن‭ ‬النفوذ‭ ‬الأمريكي‭ ‬بدأ‭ ‬ينحسر‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬بفعل‭ ‬التوازن‭ ‬الدولي‭ ‬الجديد،‭ ‬ومؤشرات‭ ‬هذا‭ ‬التراجع‭ ‬تترجم‭ ‬نفسها‭ ‬بفشل‭ ‬السياسات‭ ‬الأمريكية‭ ‬وتخبطها‭ ‬في‭ ‬سورية‭ ‬وإيران‭ ‬وأوكرانيا‭ ‬وغيرها‭. ‬وهي‭ ‬لم‭ ‬تتخل‭ ‬بعد‭ ‬عن‭ ‬سياساتها‭ ‬العدوانية،‭ ‬وخاصة‭ ‬الطرف‭ ‬الفاشي‭ ‬الجديد،‭ ‬المرتبط‭ ‬برأس‭ ‬المال‭ ‬المالي‭ ‬عراب‭ ‬الحروب،‭ ‬والانتصارات‭ ‬المتعددة‭ ‬لقوى‭ ‬السلم‭ ‬العالمي‭ ‬قد‭ ‬حققت‭ ‬هذا‭ ‬التراجع،‭ ‬وانحسار‭ ‬النفوذ‭ ‬هذا‭ ‬سيشمل‭ ‬الدرع‭ ‬الصاروخية‭ ‬المزعومة‭ ‬أيضاً‭.‬