دستور تونس: دين الدولة مقابل تجريم التكفير
عبدالله الحلواني عبدالله الحلواني

دستور تونس: دين الدولة مقابل تجريم التكفير

جاء‭ ‬الاتفاق‭ ‬على‭ ‬الصيغة‭ ‬النهائية‭ ‬للدستور‭ ‬التونسي‭ ‬الجديد،‭ ‬ليضع‭ ‬حداً‭ ‬لحملة‭ ‬المماطلات‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬سائدة‭. ‬حيث‭ ‬سيلي‭ ‬الموافقة‭ ‬الحالية‭ ‬لـ‭ ‬‮«‬المجلس‭ ‬الوطني‭ ‬التأسيسي‮»‬‭ ‬بأغلبية‭ ‬أعضائه‭ (‬200‭ ‬صوت‭)‬،‭ ‬عرضه‭ ‬على‭ ‬التصويت‭ ‬لإقراره‭ ‬هذا‭ ‬الأسبوع‭.‬

 

الدستور‭ ‬الجديد‭ ‬حكمه‭ ‬منطق‭ ‬التوافق،‭ ‬حيث‭ ‬أُجبرت‭ ‬حركة‭ ‬‮«‬النهضة‮»‬‭ ‬الإسلامية‭ ‬على‭ ‬القبول‭ ‬بتجريم‭ ‬التكفير‭ ‬دستورياً،‭ ‬مقابل‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬‮«‬الإسلام‭ ‬ديناً‭ ‬للدولة‭ ‬التونسية‮»‬‭. ‬كما‭ ‬نص‭ ‬الدستور‭ ‬الجديد‭ ‬على‭ ‬تخفيض‭ ‬سن‭ ‬الاقتراع،‭ ‬ليتمكن‭ ‬بالتالي‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬شباب‭ ‬تونس،‭ ‬ممن‭ ‬هم‭ ‬في‭ ‬الثامنة‭ ‬عشرة‭ ‬من‭ ‬عمرهم،‭ ‬الإدلاء‭ ‬بأصواتهم‭ ‬والمشاركة‭ ‬في‭ ‬العمل‭ ‬السياسي‭.‬

في‭ ‬العمق،‭ ‬برزت‭ ‬نقطتان‭ ‬أساسيتان‭ ‬أثارتا‭ ‬الجدل‭ ‬حول‭ ‬بنود‭ ‬الدستور‭. ‬أولهما،‭ ‬أن‭ ‬الدستور‭ ‬لم‭ ‬يضع‭ ‬رسماً‭ ‬محدداً‭ ‬لآليات‭ ‬إدارة‭ ‬الاقتصاد‭ ‬التونسي‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬النهج‭ ‬المتَّبع‭ ‬في‭ ‬ذلك،‭ ‬غير‭ ‬فكرة‭ ‬العدالة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬المكررة‭ ‬في‭ ‬معظم‭ ‬دساتير‭ ‬العالم،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬يجعل‭ ‬من‭ ‬الدستور‭ ‬عاماً‭ ‬جداً‭. ‬أما‭ ‬النقطة‭ ‬الثانية،‭ ‬فهي‭ ‬أن‭ ‬الدستور‭ ‬فتح‭ ‬الباب‭ ‬واسعاً‭ ‬أمام‭ ‬إنهاء‭ ‬السلطة‭ ‬المركزية‭ ‬للدولة،‭ ‬إذ‭ ‬أنه‭ ‬وحسب‭ ‬الدستور‭ ‬الجديد‭ ‬فإن‭ ‬‮«‬الأقاليم‭ ‬لها‭ ‬استقلالية‭ ‬مالية‭ ‬ومعنوية،‭ ‬ولها‭ ‬مواردها‭ ‬الخاصة،‭ ‬مع‭ ‬مساعدة‭ ‬من‭ ‬الدولة‮»‬،‭ ‬وسمح‭ ‬الدستور‭ ‬لمجالس‭ ‬هذه‭ ‬الأقاليم‭ ‬بانتهاج‭ ‬الخطط،‭ ‬كلّ‭ ‬حسب‭ ‬ما‭ ‬تراه‭ ‬مناسباً‭ ‬لها‭. ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يمهِّد‭ ‬الطريق،‭ ‬بحسب‭ ‬القوى‭ ‬السياسية‭ ‬الرافضة‭ ‬لهذا‭ ‬البند،‭ ‬لعدم‭ ‬نهوض‭ ‬تونس‭ ‬وتفكيك‭ ‬عوامل‭ ‬قوتها‭ ‬أولاً،‭ ‬وفتح‭ ‬المجال‭ ‬أمام‭ ‬النزعات‭ ‬الانفصالية‭ ‬تالياً‭.‬

إن‭ ‬الاتفاق‭ ‬على‭ ‬الدستور‭ ‬الجديد،‭ ‬وإن‭ ‬جاء‭ ‬غير‭ ‬مكتمل‭ ‬بعد،‭ ‬هو‭ ‬خطوة‭ ‬باتجاه‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬تفكيك‭ ‬سلطة‭ ‬‮«‬النهضة‮»‬،‭ ‬التي‭ ‬من‭ ‬الواضح‭ ‬أنها‭ ‬اضطرت‭ ‬إلى‭ ‬تقديم‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬التنازلات‭ ‬في‭ ‬الدستور‭ ‬الجديد‭. ‬هو‭ ‬خطوة‭ ‬للحراك‭ ‬الشعبي‭ ‬التونسي،‭ ‬باتجاه‭ ‬انتزاع‭ ‬مكاسب‭ ‬وحقوقاً‭ ‬أكبر‭.‬