ضرب الجيش العراقي.. لتفتيت العراق
قررت قوى الفاشية، بأذرعها المتعددة والمدعومة من آل سعود وحلفائهم، خوض معركة الدفاع عن الكيان الصهيوني، المدحور في مواجهته المقاومة الوطنية، المستندة إلى الموقف الشعبي العربي الرافض لاستمرار وجود هذا الكيان العنصري، والذي تجسد بالحركات الشعبية التي أسقطت بعض الأنظمة الحليفة له.
وكانت قد استثمرت الحراك الشعبي السوري المشروع، بحرفه عن مسار مطالبه العادلة، نحو وجهة حربية إرهابية، ذات أبعاد وأهداف إقليمية ودولية معادية لسورية، مستفيدةً من قوى الفساد في النظام والمعارضة معاً، لتمرير مخططها التدميري هذا، ساحقةً في طريقها الحركة الشعبية الاحتجاجية المشروعة. تلك الحركة التي لو قدر لها أن تخوض معركتها السلمية، حتى نهايتها، لكانت نقلت سورية المقاومة، المكبلة بسلاسل الفساد وانعدام العدالة الاجتماعية، إلى سورية التغيير والتحرير، المتفاعلة مع الحركات الشعبية، باتجاه فتح طريق تحرير فلسطين.
إن الخطة الإمبريالية لتقسيم العراق طائفياً وعنصرياً، الفاشلة حتى الآن بفعل المناعة الوطنية العراقية، لم تكن الخطة الأولى ولن تكون الأخيرة، وما تشكيل «داعش» سوى صفحة سوداء من صفحاتها الجديدة ـــــ القديمة، ولعل إعلان ولاية «داعش» في الفلوجة سيمثل صفحتها الحاسمة، لما لها من تداعيات خطيرة على الأمن الوطني العراقي، لناحية تقرير مصير العراق الذي يراد له أن يتفتت إلى إمارات طائفية، ضامنة لاستمرار نهب الشركات الاحتكارية للنفط العراقي، ومعرقلة لمسار الحركات الشعبية العربية، ومن ثم ضمان تحول الكيان الصهيوني إلى «دولة يهودية» مرجعية وحامية لهذه الإمارات.
لقد كان العراق عشية تأسيس الدولة العراقية الحديثة، عام 1921، يعيش حالة نهوض وطني شامل، منتفضاً على حالة الانقسام الطائفي والمحلي، حيث شكلت ثورة العشرين ذروة هذا الشعور الوطني، المنتصر على جميع أشكال التخندقات اللاوطنية، مما دفع الاستعمار البريطاني إلى انتهاج سياسة «فرق تسد»، لقطع الطريق على هذا التحول التاريخي في صيرورة الدولة والمجتمع.
يمكن وضع ثورة العشرين كحد فاصل بين حال العراقيين، قبل الثورة وما بعد الثورة، بانتقال المجتمع من حالة الانقسام الاجتماعي الحاد، على مختلف المستويات، إلى حالة الشعب العراقي المتطلع إلى الحياة الحرة الكريمة. إذ طبع الانقسام حياة الناس، على اختلاف انتماءاتهم الثانوية. فعمل المستعمر البريطاني جاهداً على تعميق النزعات المحلية والعشائرية، وشرَّع سياسته هذه في دستور 1925، بهدف إعاقة ولادة الدولة الوطنية العراقية، كما عرقل المستعمر الإنكليزي تحقيق طموحات العراقيين في تأسيس الجيش الوطني العراقي، على أساس قانون الخدمة الإلزامية، ليقينهم بأن هذا الجيش سيتحول إلى مؤسسة وطنية تضم الشباب العراقي، كعراقيين، لا كعشائر أو طوائف أو قوميات. لكن العراقيين نجحوا، رغم أنف الإنكليز، في تأسيس الجيش العراقي على أساس قانون الخدمة الإلزامية وصولاً لأرقى حالة دمج الفئات الاجتماعية المختلفة في إطار الشعب العراقي. هذا الجيش المدعوم شعبياً، هو من فجر ثورة 14 تموز 1958 الوطنية التحررية وأسس الجمهورية العراقية.
إن قرار المحتل الأمريكي بحلِّ الجيش العراقي لم يكن قراراً ناتجاً عن خطأ فردي للحاكم الأمريكي الصهيوني «بريمير»، كما يشيع حيتان الفساد اليوم، بل هو امتداد للمدرسة الاستعمارية، وشعارها الشهير «فرق تسد»، كما جاء إقرار نظام الفيدرالية ليشكِّل الوجه التطبيقي لقرار حل الجيش العراقي، ومن ثم توفير الأرضية المناسبة لتقسيم العراق إلى إقطاعيات أمراء الطائفية والعنصرية.
إن قرار حل الجيش قد أدى إلى الفوضى الأمنية الشاملة، وإطلاق أيادي اللصوص من كبارهم، حيتان الاحتلال، حتى صغارهم من مافيات النهب والتهريب والقتل، إضافة إلى إطلاق يد قوات المرتزقة القادمة مع المحتل، كـ«بلاك ووتر»، والمليشيات الطائفية العنصرية والمجموعات العراقية العميلة للمخابرات الأمريكية.
إن المحصلة المأساوية لهذه السياسة الاحتلالية، هي تقطيع أوصال البلاد والاحتراب والتهجير الطائفي والتطهير العنصري والنهب المافيوي والقتل المجاني وتدمير البنية التحتية، ومن ثم تشتيت الطبقة العاملة العراقية، صمام آمان الوحدة الوطنية، وتأسيس ما يسمى بالجيش الجديد على أساس التطوع، بتسعيرة معلومة يُلزم المتطوع بدفعها مقابل قبوله، ومن ثم تحوله إلى جندي مأجور لا جندي وطني، ناهيكم عن عمليات تصفية ضباط الجيش العراقي، عقاباً لهم على اشتراكهم بحروب النيابة عن الإمبريالية الأمريكية للنظام المهزوم.
إن إعادة بناء الجيش العراقي على أساس قانون الخدمة الوطنية الإلزامية، المحددة بسنة واحدة غير قابلة للتمديد، مع ضمان حق التطوع واستعادة ضباط الجيش الذين لم يتورطوا بأعمال إجرامية ضد الشعب العراقي، وإعداد الضباط الجدد على أساس أكاديمي ومهني وطني، هو الطريق الصحيح لاستتاب الأمن في البلاد.
على أن يتم ذلك بالاقتران بتصفية بقايا الاحتلال تصفية شاملة، مما يوفر الأرضية لتشكيل حكومة إنقاذ وطني مؤقتة، تعدُّ لانتخابات وطنية حرة ونزيهة بإشراف محايد مناسب، يختار فيها المواطن العراقي ممثليه في البرلمان الوطني لعراقٍ حر، لا برلمان حيتان الاحتلال الطائفية العنصرية، وأتباعهم الصغار من الانتهازيين الكومبارس، المتاجرين بالديمقراطية والليبرالية والفيدرالية.
*منسق التيار اليساري الوطني العراقي