هل يقف العراق على حافة الانهيار؟
قالت صحيفة «نيزافيسمايا جازيتا» الروسية: «إن أردوغان يزرع الانشقاق في العراق بسبب اتفاقه مع قيادة إقليم كردستان العراق على تصدير النفط عبر تركيا». هذا الدور التركي المستند إلى رؤية «كيسنجر» حينما قال بشأن تقسيم المنطقة: «علينا خلق إمارة أمام كل بئر نفط» القول الذي يلخص جوهر الاستراتيجية الامبريالية الأمريكية، ومشاريعها التقسيمية المحفوظة في الأدراج.
(مشروع «برنارند لويس» لتفتيت المنطقة إلى 41 إمارة، مشروع «بريجنسكي» لتحويل المنطقة إلى دويلات طائفية) على أن يحتل الكيان الصهيوني فيها موقع الأقلية المتميزة على المستويات الإدارية والتكنولوجية والعسكرية.
كان قد طُرح سؤال عام 1992 في أروقة مراكز الأبحاث التابعة للمخابرات الأمريكية: هل يبقى العراق موحَّداً في العام 2002؟ وعند وقوع العراق تحت الاحتلال في العام 2003 نشط «جو بايدن»، ولاسيّما في العام 2007، بالحصول على موافقة الكونغرس الأمريكي، حول خطة تقسيم العراق إلى ثلاثة كيانات طائفية إثنية، ووضع نقاط سيطرة «CHECK POINT» وحدود فاصلة للعبور، وهوّيات أشبه بجوازات سفر، وقد بذل جهداً خاصاً مع العديد من أعضاء مجلس الأمن، للحصول على تأييدهم لمشروع التقسيم.
التحاصص يسلب سيادة العراق
تتصاعد يوماً بعد يوم الصراعات بين الكتل الثلاث، وانتقل هذا الصراع إلى داخل هذه الكتل بين المتطرفين والمعتدلين. وجاء طرد نوري المالكي لوزير العدل «التحالف الوطني» من الجلسة الأخيرة لمجلس الوزراء، نتيجة إصرار الأخير طرح مشروع القانون الطائفي «قانون الأحوال الشخصية الجعفري» على التصويت في المجلس.
وتشهد الكتلة الكردستانية صراعاً مماثلاً، بين دعاة الإصرار على تصدير النفط المنتج في الإقليم مباشرة إلى تركيا، وأولئك الداعين إلى الالتزام بالمادة الدستورية رقم 111 التي تنص على أن «النفط والغاز هو ملك كل الشعب العراقي في كل الأقاليم والمحافظات»، والمادة 112 التي تنص على أولاً: «تقوم الحكومة الاتحادية بإدارة النفط والغاز المستخرج من الحقول الحالية مع حكومات الأقاليم والمحافظات المنتجة، على أن توزع وارداتها بشكل منصف، يتناسب مع التوزيع السكاني في جميع أنحاء البلاد، مع تحديد حصة لمدة محددة للأقاليم المتضررة، والتي حرمت منها بصورة مجحفة من النظام السابق، والتي تضررت بعد ذلك، بما يؤمن التنمية المتوازنة للمناطق المختلفة من البلاد وينظم ذلك بقانون». كما جاء قرار مجلس محافظة كركوك بضم قضاء «الطوز» التابع لمحافظة صلاح الدين إلى الحدود الإدارية للمحافظة، ضمن مخطط ممنهج ومبيت يرمي إلى تقسيم البلد، حسب رأي الكتلة العراقية.
ولعل أخطر ما في هذا الصراع على محاصصة النهب المنظم لثروات الشعب العراقي، هو استقواء هذه الكتل بدول الجوار، لمساعدتها في ترجيح كفتها في هذا الصراع ، حداً أصبح فيه ترشيح شخص رئيس الوزراء يمر عبر توافق أمريكي ـــ إقليمي.
«خلاف» تكتيكي على مشروع واحد
وبخصوص الوضع الأمني، فإن العراق يعيش حالة انهيار أمني شامل، وتعاني أجهزته الأمنية من اختراقات على كل المستويات وفساد شامل، وانعدام للشعور الوطني العراقي لمصلحة الولاءات الفرعية، الطائفية والاثنية والعشائرية. فالأعمال الإرهابية الإجرامية تنتهك يومياً، وعلى مدى الساعة، جميع المدن العراقية حتى تلك التي كانت لوقت قريب آمنة (اربيل ــــ السليمانية). ويأتي تركيز الهجمات الإرهابية في الآونة الأخيرة على مدينة كركوك وقضاء «طوزخزرماتو» بشكل خاص، إلى تدمير ما عرفته كركوك تاريخياً، وهو التعايش المشترك الإنساني القومي (العربي، الكردي، التركماني، الآشوري- السرياني وغيره)، والديني (الإسلامي، المسيحي)، والطائفي (الشيعي-السنّي)، أي، استهداف القضاء على النموذج المصغّر للعراق.
إن التقسيم لا يتم دفعة واحدة، ولعلّ جميع المتطرفين والمعتدلين ودول الجوار الإقليمي والإمبريالية الأمريكية لا تؤيده علناً الآن. ولكنها تعمل على تحقيقه على مراحل وبشكل متدرج، وهذا هو حصرياً موضع الخلاف التكتيكي بين المتطرفين والمعتدلين. خصوصاً في ظل حركات الاحتجاج الشعبية المتصاعدة ضد الوضع المأساوي المعيشي والخدمي والأمني الذي يعانيه الشعب العراقي، وضد التفريط بوحدة الوطن.
صباح الموسوي : عضو لجنة العمل اليساري العراقي المشترك