مزيد من الانحدار «المتحكم به».. أم فاشية دموية؟

مزيد من الانحدار «المتحكم به».. أم فاشية دموية؟

قبل  ما يقارب عقداً من الزمن أفصحت بعض المراكز البحثية الأمريكية عن وجود أزمة بنيوية عميقة في الاقتصاد الامريكي يهدد بقاءه في المركز الأول بين  اقتصادات العالم، الأمر الذي يعني تراجع الدور السياسي والعسكري لاحقاً، ورأت تلك المراكز، أن أمام صانع القرار الأمريكي أحد مخرجين

• إما القبول بحالة التراجع والتكيف معها، ومحاولة التحكم بها تجنباً لانهيار شامل لايمكن التكهن بنتائجه،
• أو اعتماد خيار الحرب كمخرج من الأزمة كعلاج تقليدي تلجأ إليه الرأسمالية في أزماتها المتلاحقة.
خيار «شمشون»
الرؤوس الحامية في دوائر صنع القرار الأمريكي اعتمدت حينها الخيار الثاني، فكان لابد من اختلاق عدو وهمي، لتبرير الحرب المزعومة على الإرهاب، وكان احتلال افغانستان، ومن ثم العراق، نظراً لما تدرّه الصناعة الحربية من أرباح، وكون هذه الصناعة أحد الفروع الأساسية في الاقتصاد الأمريكي، و من شأن الاستثمار فيها أن يمد شرايين الاقتصاد المتصلبة بمزيد من الدم وإمكانية البقاء..
رغم البروباغندا التي رافقت تلك الحروب الامبريالية والذرائع التي تشدقت بها وسائل الإعلام الأمريكية وملحقاتها، إلا أن النتائج جاءت لتؤكد المزيد من تراجع الدور الأمريكي على النطاق العالمي، وتراجعت مصداقية الإدارة الأمريكية لدى الشعب الأمريكي وشعوب العالم إلى مستويات غير مسبوقة لدرجة أن سؤالاً له دلالات بالغة بات يشغل بال الإعلام الأمريكي وهو: لماذا يكرهوننا في الخارج؟
تغيير الأدوات والإبقاء على الأهداف   
التجربة التاريخية للعقل الميكيافيلي البرجوازي، ودهاؤه السياسي تفتق آنذاك عن أسلوب جديد في إدارة الحرب التي لابد منها، حرب من «طراز خاص» تحقق نتائج الحروب المفتوحة نفسها بأدوات أخرى، فكانت الحروب البينية الداخلية، «ضرب الكل بالكل» أو ما سماهُ الإعلام الأمريكي بالقوة الناعمة، ليصعد أوباما إلى سدة البيت البيضاوي على هذا السلم، ولكن الأزمة العتيدة ما زالت تتفاقم والقوانين الموضوعية تفعل فعلها خارج إرادة البشر، ورغم الجبروت العسكري الأمريكي، والاختراقات الاستخبارتية تجسساً ومراقبةً ولعباً من وراء الكواليس، ورغم الامبراطورية الإعلامية المرافقة والمروّجة لهُ.
هذا النموذج من الحروب لم يفلح أيضاً في إغلاق ثقب الأزمة الأسود، ومع استمرار حالة الإنكار التي يعيشها صناع القرار فيما يتعلق بالتراجع المحتوم للدور الأمريكي على خلفية هذه الأزمة، فلا مناص من حروب أوسع وهي الحل الأمثل، حتى لو كانت ستؤدي دور حرب عالمية وتشمل إقليماً كاملاً سيكون إشعال حرب فيه بالتأكيد بدء مرحلة فوضى شاملة على مستوى العالم ككل.
الفاشية خيار قائم
تشير التجربة التاريخية للرأسمالية في مراحل الأزمة وانغلاق الأفق أمامها ومحدودية خياراتها أنها قد تلجأ إلى تجاوز «البريستيج»، وارتكاب أفظع الحماقات، أي خوض المزيد من الحروب بأكثر أشكالها دموية، وهي التي تنضح أصلاً بالدم من قمة الرأس إلى أخمص القدمين، لتعويض خسائرها.. لذا فإن عدم القبول بالتراجع- حسب رأي العقلاء في المؤسسة الأمريكية الحاكمة- واستمرار محاولة قوى الحرب في تلك المؤسسة للاستفراد بالهيمنة على مقدرات العالم رغم عدم قدرتها على ذلك بالأساليب التقليدية، يضع موضوعياً وبشكل جدي محاولة إحيائها لنموذج الرأسمالية الفاشية، وتكرار تجربة أزمة ثلاثينيات القرن الماضي التي أدت إلى إزهاق أرواح 60 مليون من البشر، كمحاولة يائسة للبقاء على عرش الهيمنة العالمية.