سيناء: عودة الدولة ومحاولات تجذير التطرف
تشتد المواجهة السياسية، من ناحية، والعسكرية، من ناحيه أخرى، حول مسائل السلطة والسيطرة على التراب المصري، وخاصة في سيناء وحول مسألة الشرعية، حيث يحاول جهاز الدولة فرض السيطرة في مواجهة مشروع الفوضى الذي يتبنى تنفيذه الوجه الآخر للإسلام السياسي والمعروف بـالمتشدد بعد انهيار مشروع أمريكا المتمثل بالبرنامج الليبرالي للإخوان المسلمين.
مراكز السيطرة العسكرية والأمنية المصرية تصبح تحت الضرب. عملية تفجير انتحارية تستهدف مبنى المخابرات الحربية في شمال سيناء موقعة عشرات الضحايا بين قتيل ومصاب، وتبنتها جماعة «أنصار بيت المقدس» الجهادية التي تحاول وباقي التنظيمات المتششدة تجذير الإرهاب في سيناء وتمديده، مستفيدة من الدعم المادي والتغطية السياسية التي تحصل عليها سراً وعلانية من الغرب الاستعماري أو أدواته الرجعية العربية حيث أنها تنفذ إرادة المتشددين في الإدارات الغربية لإشعال المنطقة وضرب جيوشها ومحاولتها ضرب مراكز السيطرة للدولة المصرية من مراكز أمنية ومراكز للجيش، ضمن محاولة إخراج الدولة المصرية من سيناء وجعل تلك المنطقة منطلقاً للإرهاب الممتد حتى الداخل المصري.
دور جماعة الإخوان في تغذية وتقوية العناصر الجهادية كان ضرورة بالنسبة لما يسمى بالإسلام المعتدل في مصر حتى يصبح الأخير مقبولاً في صفوف المجتمع بالمقارنة مع نقيضه الوهمي المتشدد. ولذلك كان يجب تقوية العناصر المسلحة المتطرفة في سيناء وهذا ما تثبته تقارير أمنية وصحافية من مصر حيث ذكرت تلك المصادر أن سيناء تضم نحو ٥ آلاف عنصر متطرف ينتمون لما يقارب ٣٤ تنظيماً إرهابياً، وزادت الأعداد بشكل ملحوظ، خلال فترة حكم الرئيس المعزول محمد مرسى من خلال قرارات العفو الرئاسي التي أصدرها بحق العديد من العناصر الجهادية. وقد تمردت هذه العناصر على الدولة المصرية إبان حكم الرئيس المخلوع حسني مبارك، وخاض الجيش المصري عمليات عدة ضدها، مستشعراً خطرها على الأمن القومي المصري، ولاسيما بعد ثورة يونيو وما تبعها من فوضى بالشارع المصري وصلت إلى حد تشريع ضرب الجيش والجهاد ضده.
ويبدو في العمق أن النواة الصلبة في الجيش المصري لا تزال تنتظر تبلور القوى السياسية المدنية الناضجة والقوية ذات البرنامج الوطني المتكامل، سياسياً واقتصادياً بوصفه الحل النهائي، بحكم إدراكها أنه لا يمكن لأية قوة في العالم فرض سيطرتها على أية قطعة أرض من خلال قوة الجيش فحسب، بل يحتاج الأمر إلى برنامج وطني شامل يحقق إرادة الناس ومصالحهم، ولكن غياب مثل هذا البرنامج اليوم يعد أرضية خصبة للتطرف وانتشاره لتدخل المؤامرة على خط المطالب الشعبية المشروعة مترافقة مع محاولات الغرب الاستعماري إحداث البلبلة في مصر وإدخال جيشها بمواجهات جانبية مع قوى متطرفة من ناحية، أو دعوات الرئيس المخلوع للجهاد في سورية، ما يحرف مصر كلياً عن دورها الإقليمي المتوقع بعد تطورين هامين، أحدهما الإطاحة بمبارك وثانيهما التحولات الإقليمية والدولية الجارية في غير اتجاه المصالح الأمريكية والصهيونية.