الحركة النقابية في ظل الأزمة.. الليبرالية الجديدة تولد الإرهاب(2)
نقابي مزمن نقابي مزمن

الحركة النقابية في ظل الأزمة.. الليبرالية الجديدة تولد الإرهاب(2)

لا تزال الليبرالية من القضايا المطروحة على الحركة النقابية في ظل الأزمة، إلا أن ثمة قضايا تظهر الآن أكثر الحاحاً، في تناولها والحوار فيها مع الحركة النقابية، بوصفها حركةٌ في برنامجها قضايا سياسية، واقتصادية واجتماعية، وثقافية، وهي معنية بكل المقاييس بالإجابة عن السؤال الأساسي حول ما العوامل المولدة للإرهاب؟!.

هنا لابد من العودة معكم، إلى نهايات القرن العشرين، مع انهيار الاتحاد السوفياتي وتصاعد دور الليبرالية الاقتصادية التي تعني الحرية التامة للرأسماليين دون تدخل الدول بهم، وصعود اليمين في الغرب وتراجع اليسار، والحركات النقابية، والأحزاب اليسارية، في العالم. إنها مسائل كبيرة ينبغي الإجابة عنها، فالرأسمالية العالمية في المراحل الأخيرة استفادت إلى حد بعيد من القانون الاقتصادي الأساسي الذي هو «إن الميل العام للتطور هو ميل مالي، وليس إنتاجياً» بفعل هيمنة وسيطرة الاحتكار المالي العالمي، على الاقتصاد العالمي، وظهور الليبرالية الاقتصادية الأكثر رجعيةً وتطرفاً على النطاق العالمي والمحلي، ولقد أُضعفت الرأسمالية الصناعية، وكذلك تراجعت صفوف الطبقة العاملة التقليدية على المستوى العالمي بفعل الثورة العلمية التقنية.

الاحتكار الدولاري

لقد سعت الشركات العالمية الكبرى لإعادة الهيكلة والتثبت بفعل هذه الثورة ليكون المهندسون والفنيون من الفئات الوسطى، هم العاملين على هذه التقانة، كالبرمجيات، ولوحات التحكم بالمعامل. «سبعة مهندسون يريدون معملاً كبيراً» والكمبيوتر للعمل عن بعد، والانترنيت، والفيس بوك والتويتر..الخ، ومع هذا التطور التقني ترسخت توجهات الليبرالية الاقتصادية على المستوى العالمي وتراجعت أعداد الطبقة العاملة التقليدية ونقاباتها وأحزابها، فصعد اليمين إلى الحكم في الغرب بدعم واضح من الاحتكار المالي العالمي «الدولاري» الذي تقوده حفنة، من المجتمع الأميركي تمثلهم الإدارة الأميركية على طول الخط.

فالليبرالية الجديدة في الجانب الفكري هي الأكثر رجعية وهي تسعى لتفتيت الشعوب وتهميشها ليستمر تحكم الليبرالية والاحتكار المالي العالمي على مقدرات الشعوب وحياتها وأفكارها.

 

التهميش والإفقار

إن نتائج الليبرالية الاقتصادية ونشاط الاحتكار المالي العالمي هو التهميش والإفقار والتشتيت وتسعير التطرف الديني وغيره لأنه لم يبق أمام الفقراء والمهمشين سوى الدعاء لله كي يتجاوزوا الحياة التي يعيشونها.. وهذه الحالات كالفقر والتهميش باتت بكثرة في البلدان العربية وفي غيرها، إلا أنه في الغرب لا يزال التأثير الحضاري قائماً وتوُثر في الحياة الاجتماعية أما في الدول العربية فإن هذا الأمر ليست له الأرضية الفكرية المناسبة، ولقد ضربت التوجهات اليسارية في العالم العربي وجرى دعم كبير من الحكومات للتيارات المتطرفة و«الدينية» واضحت الثقافة الوطنية تؤثر بها الأفكار الدينية من كل حدب وصوب، فساعد ذلك في خلق بيئة مناسبة وحاضنة للتطرف أما الآن فقد أصبح للتطرف تنظيم وقاعدة إلى جانب «الايديولوجيا» التي تحملها “داعش” وغيرها.. وهذا ما يسهل للمهمشين والمرتزقة والذين ظلمتهم حكوماتهم، الالتحاق بهذا التنظيم، لأن “داعش” قد أصبح الآن الوجه الآخر لنمو التطرف والإرهاب في البلدان العربية التي كثر فيها الارتزاق جراء الإفقار والتهميش والممارسات والأخلاقيات التي سادت مجتمعاتنا.

 

الفساد والنهب المنظم

لقد ساهمت السياسات الليبرالية إلى حد بعيد في رفع معدلات الفقر والبطالة والتهميش، وكمثال ساطع القانون رقم /17/ سيء السمعة الذي أضاف شيئاً جديداً على حياة عمال القطاع الخاص، وجاء تعبيراً قانونياً عن دعم التوجه لليبرالية الاقتصادية «حرية الرأسماليين في الاقتصاد» هذا القانون همش عمال القطاع الخاص وحرمهم من الحقوق إذ باستطاعة صاحب العمل أن يطرد العامل ويشرده هو وأسرته دون حقوق إلا بضع من الليرات السورية «تعويض» فقد استطاعت الحكومات السابقة أن تضع القوانين التي تخلق البيئة المناسبة «لليبرالية الاقتصادية» ومن المفيد جداً القول إنه لا يمكن شخصنة هذا التوجه وإلحاقه بالحكومة أو «الدردري» لأن المذكور وأمام المجلس العام للاتحاد العام لنقابات العمال، هدد منتقدي السياسة الليبرالية بجهة قيادية مسؤولة عبر عنها، وكي نصل إلى نتيجة تعبر بشكل حقيقي عن مصلحة الطبقة العاملة السورية، وعموم الفقراء ينبغي أن نعيد النظر بالمواقف تجاه السياسات الليبرالية، وأن نقترب أكثر فأكثر من القواعد العمالية؛ وأن نساعد في إزكاء الروح الوطنية التي من المفترض أن تلعب فيها الحركة النقابية دوراً أساسياً في مواجهة التهميش الذي مسببه الفساد والنهب المنظم، والذي خلق «ثقافة» هي بحد ذاتها مولد للتطرف والإرهاب.

إن من المأساة القول إن “داعش” وأمثالها ستستمر، ويمكن أن تتوسع أكثر إذا لم نفهم الأسباب الموضوعية السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأخلاقية التي ولدت التطرف والإرهاب.

صرح أحد القادة اليساريين الجدد في أمريكا اللاتينية في بوليفيا عن برنامجهم الثوري، قال هو برنامج أخلاقي في مواجهة الأخلاق التي تولدها الليبرالية الاقتصادية العالمية!!.