التسرب المدرسي في سورية... جرس إنذار يهدد المستقبل
لم يعد مشهد الأطفال المتسولين أو الباعة الصغار على إشارات المرور، أو أولئك الذين ينبشون في القمامة بحثاً عما يسد رمقهم، أمراً غريباً في المدن السورية. ومع بداية كل عام دراسي جديد، يتجدد الأمل بأن تعود الابتسامة إلى وجوههم، وأن تفتح المدارس أبوابها لهم من جديد، لكن الواقع يقول إن كثيرين منهم ما زالوا خارج أسوار التعليم، بعيدين عن مقاعد الدراسة، وقريبين من دوامة الفقر والعوز.
من يرصد التسرب؟ ومن يتحمل المسؤولية؟
رصد التسرب المدرسي لا يقتصر على وزارة التربية وحدها، بل هو مسؤولية مجتمعية تشترك فيها مؤسسات الدولة والمنظمات الأهلية والأسر والمجتمع المحلي. فالمتابعة الدقيقة لأعداد المنقطعين عن الدراسة، وأسباب ذلك، تحتاج إلى تنسيق متكامل بين الجهات التربوية والاجتماعية والاقتصادية في البلاد.
إلا أن الواقع الحالي يشير إلى ضعف في هذه المنظومة، فالتقارير الرسمية لا تعكس بدقة حجم الكارثة، فيما تكتفي بعض الجهات بإطلاق حملات إعلامية محدودة لا تلامس جوهر المشكلة ولا تقدم حلولاً مستدامة.
الواقع الاقتصادي... السبب الأكبر خلف المأساة
السبب الأبرز لتسرب الأطفال من المدارس هو الوضع الاقتصادي المعيشي المتدهور.
أسر كثيرة باتت عاجزة عن تأمين أبسط متطلبات الحياة، فتضطر لدفع أطفالها نحو العمل في الأسواق أو ورش الحدادة أو بيع الخبز أو التسول، بدلاً من الذهاب إلى المدرسة.
بات الطفل في كثير من الأسر يُنظر إليه «كمعيل صغير»، لا كطالب علم، في ظل غياب الدعم الاجتماعي الكافي وضعف شبكات الحماية للفئات الأكثر فقراً.
إضافة إلى ذلك، فإن تكاليف التعليم غير المباشرة (القرطاسية، المواصلات، اللباس المدرسي) أصبحت عبئاً لا تحتمله معظم العائلات، مما يجعل المدرسة حلماً بعيد المنال لكثير من الأطفال.
مدارس بلا طلاب... وأطفال بلا مستقبل
المؤلم أن افتتاح المدارس، رغم أهميته الرمزية، لم ينعكس فعلياً على استقطاب هؤلاء الأطفال. فالفقر لا يزول بجرس المدرسة، والجهل لا يُهزم بقرار إداري.
وفي ظل غياب مبادرات واقعية لإعادة دمج الأطفال المتسربين في العملية التعليمية، يزداد الخطر يوماً بعد يوم، لأن التسرب المدرسي ليس مجرد انقطاع عن التعليم، بل هو انقطاع عن المستقبل.
مخاطر التسرب المدرسي على الحاضر والمستقبل
التسرب المدرسي يترك آثاراً مدمرة على الفرد والمجتمع معاً.
فعلى المدى القريب يتعرض الطفل العامل أو المتسول للاستغلال، والعنف، والانحراف السلوكي، ويُحرم من بيئة آمنة تحميه وتنمّي قدراته.
وعلى المدى البعيد يؤدي التسرب إلى تفاقم معدلات الفقر والبطالة والجهل، ويقلل من فرص التنمية والإنتاج، ويزيد من احتمالية الانخراط في أعمال غير مشروعة أو في دوائر العنف.
إن مجتمعاً يفقد أبناءه في عمر التعلّم، يفقد مستقبله في عمر البناء.
ما المطلوب؟
لمواجهة هذه الكارثة، لا بد من رؤية شاملة تتكامل فيها الجهود الحكومية والمجتمعية، تقوم بشكل رئيسي وعاجل على:
- تفعيل برامج الدعم المادي للأسر الفقيرة لتمكينها من إبقاء أطفالها في المدارس.
- توسيع التعليم المرن للأطفال العاملين والمنقطعين عن الدراسة.
- تعزيز دور الجمعيات الأهلية والمنظمات الدولية في حملات التوعية والمتابعة الميدانية.
- إعادة بناء الثقة بالمدرسة كمكان للتعلم والرعاية لا كمؤسسة شكلية.
أزمة وطنية وليست ظاهرة عابرة
التسرب المدرسي في سورية ليس مجرد ظاهرة اجتماعية عابرة، بل هو أزمة وطنية تمس جوهر المجتمع ومستقبل أجياله.
فالمدرسة ليست جدراناً وصفوفاً وكتباً فقط، بل هي درع واقٍ من الجهل، وبوابة نحو الأمل.
فحين يُجبر الطفل على ترك مقعده الدراسي ليحمل رغيف خبز أو كيس قمامة، فإننا جميعاً نخسر- ليس طفلاً واحداً، بل جيلاً كاملاً، ومستقبلاً!
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1247