قانون إعدام الأسرى وأزمة الكيان البنيويَّة
أقرَّت لجنة الأمن القوميِّ في الكنيست مشروع "قانون عقوبة الإعدام للقتلة الوطنيِّين"، الذي يسعى إلى فرض عقوبة الإعدام إلزاميًّا على الفلسطينيِّين المدانين بقتل إسرائيليِّين بدافعٍ "قوميٍّ"، وصُوِّت عليه بقراءة أولى في 10/نوفمبر/2025، وما يزال بحاجةٍ إلى اجتياز القراءتين الثانية والثالثة ليصبح قانونًا نافذًا. نطاق تطبيق القانون يستهدف من يُدان بقتل إسرائيلي "بدافع عنصري أو كراهية وبهدف الإضرار بإسرائيل"، وهو ما تصفه منظَّمة العفو الدوليَّة بأنَّه موجَّهٌ حصرًا ضدَّ الفلسطينيِّين.
أحكام القانون واستهدافه السياسيُّ:
ينصُّ مشروع القانون على أحكامٍ استثنائيَّةٍ تتناقض جوهريًّا مع المبادئ الأساسيَّة للعدالة، تتلخَّص نقاطٍ عدَّةٍ: إذ يجعل عقوبة الإعدام إلزاميَّةً بحقِّ كلِّ شخصٍ يتسبَّب بوفاة مواطنٍ إسرائيليٍّ بدافعٍ "عنصريٍّ أو كراهيةٍ وبهدف الإضرار بإسرائيل". هذه الصياغة الفضفاضة والمتعمَّدة تستهدف الفلسطينيِّين حصريًّا، وتُلغِي السلطة التقديريَّة للقاضي على نحوٍ كاملٍ. مع تقديم تسهيلاتٍ كاملةٍ للإجراءات، إذ يسمح للمحكمة بإصدار حكم الإعدام بأغلبيَّة بسيطةٍ من القضاة -قاضيان من ثلاثة- في المحاكم العسكريَّة، بدلًا من شرط الإجماع، ممَّا يهدر ضمانات المحاكمة العادلة. ويتشدَّد على نحوٍ قاطعٍ ويحظر تخفيف الحكم أو استبداله بعد صدوره النهائيِّ، ما يغلق باب الأمل في المراجعة أو الرحمة.
المسار التاريخي وسبب العودة للطرح
قطع هذا القانون مسارًا تشريعيًّا طويلًا، فالمشروع ليس جديدًا، بل يعود إلى الساحة السياسيَّة الإسرائيليَّة بين الحين والآخر، وتكشف تاريخيَّته عن جذوره الأيديولوجيَّة وأجندته السياسيَّة المتطرِّفة، إذ طُرِحَ المشروع بأشكالٍ مختلفةٍ خلال السنوات الماضية.
في عام 2022 أعاد الوزير المتطرِّف إيتمار بن غفير، زعيم حزب "القوة اليهودية"، طرحه مع تعديلاتٍ، وتمت المصادقة عليه بقراءةٍ تمهيديَّةٍ في آذار/مارس 2023. ولا يمكن تجاهل أنَّه فشل سابقًا بسبب معارضة رئيس الوزراء نتنياهو نفسه، الذي كان يخشى آنذاك أن يؤدِّي تطبيقه إلى تعريض حياة الجنود والإسرائيليين المحتجزين لدى حركة حماس للخطر، ويُستخدم كذريعةٍ لخطف المزيد منهم لأغراض المقايضة.
أمَّا سبب إعادة الطرح الآن، لتغيُّر الموقف الرسميِّ بعد أن تمكَّنت إسرائيل من استعادة معظم الرهائن المحتجزين في غزة، ما دفع نتنياهو إلى سحب تحفُّظاته ودعم القانون. كما أنَّ الاتفاق الائتلافيَّ بين حزب بن غفير وحزب الليكود الحاكم يتضمَّن بندًا صريحًا بسنِّ هذا القانون خلال ولاية الحكومة الحالية. فضلًا عن ذلك، يعدُّ بن غفير هذا القانون أحد وعوده الانتخابيَّة ويضغط على الائتلاف الحاكم لتمريره، إذ هدَّد بوقف دعم حزبه لمشاريع قوانين الحكومة في حال لم يُطرح للتصويت. لذلك يعود بن غفير لتحريك المشروع بقوَّةٍ، في خطوةٍ تفضح طابع المساومات السياسيَّة على حساب القضايا المصيريَّة.
العقبات أمام الإقرار النهائي
رغم إقراره في القراءة الأولى، يواجه المشروع عقباتٍ عدَّةً، قد تعيق اكتمال مساره التشريعي، إذ يحتاج المشروع إلى العودة إلى لجنة الأمن القوميِّ في الكنيست، ثمَّ التصويت عليه بالقراءتين الثانية والثالثة قبل أن يصبح قانونًا. المعارضة السياسيَّة والداخليَّة له، فهناك معارضةٌ من بعض الكتل داخل الائتلاف الحاكم نفسه، مثل فصيل "ديغل هاتوراه" الذي تعهَّد بمعارضته، بينما تغيَّب معظم نوَّاب حزب "شاس" عن جلسات التصويت. كما قاطعت أحزاب المعارضة الرئيسيَّة التصويت. إضافةً للانتقادات القانونيَّة والحقوقيَّة، إذ تنتقد جهاتٌ إسرائيليَّةٌ مثل صحيفة "هآرتس" والمعهد الإسرائيليُّ للديمقراطيَّة القانون، وترى أنَّه عنصريٌّ وتمييزيٌّ، وقد يكون غير دستوريٍّ، لأنَّه يتعارض مع قانونٍ أساسٍ: كرامة الإنسان وحريَّته. ولا تغيب عن أذهان الداخل الإسرائيليِّ التداعيات الأمنيَّة المحتملة من تمرير هكذا قرار، إذ يحذِّر مسؤولون وخبراء من أنَّ إقرار القانون قد يزيد من حدَّة التوتُّر ويشعل موجةً جديدةً من العنف· ناهيك عن الضغوط الدوليَّة، إذ أدانت منظَّماتٌ حقوقيَّةٌ دوليَّةٌ المشروع ووصفته بأنَّه "خطوةٌ خطيرةٌ" تتعارض مع التزامات إسرائيل بموجب القانون الدوليِّ.
القانون تجسيدٌ لأزمة الكيان
من منظورٍ تحليليٍّ لا يمكن فهم هذا القانون بمعزلٍ عن الأزمة البنيويَّة التي يعانيها الكيان الصهيونيُّ. فهو أداةٌ تستخدمها النخبة الحاكمة الإسرائيليَّة لإدارة أزماتها الداخليَّة وتعثُّراتها السياسيَّة والأمنيَّة.
فشل القيادة السياسيَّة في بلورة مفهومٍ رسميٍّ للأمن القوميِّ، كما ورد في تقرير مراقب الدولة الإسرائيليِّ، أوجد فراغًا استراتيجيًّا تحاول الأجنحة المتطرِّفة ملأه عبر قوانين عنصريَّةٍ وصفتها صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية بالـ "الوحشية". هذا القانون هو استمرارٌ لمنطق الدولة الاستيطانيَّة العنصريِّ الذي ورث تشريعات الطوارئ الاستعماريَّة البريطانيَّة، وهو محاولةٌ لشرعنة القتل الميدانيِّ وتحويله إلى سياسة دولةٍ، في إطار حرب الإبادة الشاملة التي يشنُّها الاحتلال على الشعب الفلسطينيِّ.
لقد كشف مشروع قانون الإعدام مرَّةً أخرى الوجه الفاشي للمشروع الصهيونيِّ، وهو ليس سوى حلقةٍ في سلسلةٍ طويلةٍ من سياسات القمع والإبادة. إنَّه محاولةٌ يائسةٌ من نظامٍ استيطانيٍّ عنصريٍّ يشهد انهيارًا في بوصلة أمنه القوميِّ، ويعاني تناقضاتٍ داخليَّةً عميقةً، ليُخفي فشله عبر تصعيد عدوانه على الشعب الفلسطينيِّ.
رهام الساجر