هوامش «السجادة الحمراء»
تكشف وقائع افتتاح فعاليات الدورة السادسة والأربعين من «مهرجان القاهرة السينمائي الدولي» لعام 2025 في 12 تشرين الجاري وغيرها من المهرجانات الفنية جانباً من الهشاشة والضعف الذي وصل إليه حال الفن وأوساطه في المنطقة الأكثر اشتعالاً من العالم.
فقد تحول الحدث الفني الذي حضره مجموعة من الفنانين المصريين والعرب إلى منافسة على إطلالات النجوم من ناحية الأزياء والمكياج، كما تحولت السجادة الحمراء بما تحمله من رمزية خاصة بعروض الإنتاج السينمائي إلى منبر للثرثرة والمراشقات الكلامية وتبادل التهاني والتبريكات. مما أفقد الحدث أهميته الفنية وحوله إلى حدث اجتماعي أكثر من كونه ثقافياً.
ولم تشفع كلمة الفنان حسين فهمي رئيس المهرجان وتأكيده «إنّ مصر، بلد الفن والثقافة والتاريخ، تعيد اليوم صياغة حاضرها بخطوات أبنائها وجهودهم المخلصة»، وأن «مصر لم تنسَ يوماً أن تدعم أشقاءها، ويظهر ذلك اليوم في دعمها لإخوتنا في السودان ولبنان، وفي تمسّكها التاريخي بالقضية الفلسطينية...»، للفن أو الفنانين وما وصل إليه حالهم من رداءة المواقف والاستعراضات، خاصة أن توقيت المهرجان يتزامن مع التحضيرات الفنية للمواسم الدرامية المقبلة، والتي رافقها كم هائل من التعليقات وتناقل الشائعات نالت الحصة الأكبر من تغطية إعلامية، تشبه الثرثرة، وتسلط الأضواء في محتواها على أخبار الفنانين وعلاقاتهم من ارتباط وانفصال... إلخ، دون أن تركز قضايا المجتمع والفن ومشاكله، فضلاً عن القضايا السياسية والاقتصادية التي يعج بها العالم عموماً والمنطقة على وجه الخصوص.
اللوائح السوداء
في المقابل، ثمة معارك تخوضها الأوساط الفنية في الغرب، وتحديداً في مراكز صناعة الفن والسينما. فقد كشفت صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية أنّ أستوديوهات «باراماونت» تحتفظ بلائحة «سوداء» داخلية تضمّ شخصيات في صناعة السينما تعتبرها الشركة «معادية للسامية» أو منحازة إلى جانب الفلسطينيين. ونقلت الصحيفة عن مجلة «فاراياتي»، أن الشركة قرّرت الامتناع عن التعاون مع الأسماء المُصنّفة في اللائحة في الإنتاجات المقبلة.
وقد تصدّرت شركة «باراماونت» العناوين، في أيلول الماضي، بعد رفضها العلني لدعوات مقاطعة «إسرائيل»، التي طالبت بها كثير من الأوساط الفنية العالمية احتجاجاً على ما يحدث في فلسطين من إبادة جماعية، حيث وقع فنانون وعاملون في صناعة الفن على عدة عرائض تدعو إلى مقاطعة المؤسسات السينمائية «الإسرائيلية»، وكان من أشهرها عريضة وقع عليها نحو 1200 من أبرز العاملين في الصناعة، من بينهم الممثلون إيما ستون، وخافيير بارديم، ومارك رافالو، وتيلدا سوينتون، وأوليفيا كولمان، متّهمة المؤسسات الإسرائيلية «بالإبادة والفصل العنصري» ضد الفلسطينيين. وتناقلت وسائل الإعلام خبر «اللائحة السوداء» لشركة «باراماونت» منتقدة سياساتها، ومواقف وسلوك مديرها التنفيذي ديفيد إليسون، وهو نجل رجل التكنولوجيا لاري إليسون، المعروف بتبرعاته السخية لجيش الاحتلال وقواته العسكرية، وبصداقته الوثيقة مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
«اغتصاب للتراث المصري»
كما أثارت حفلات «إسرائيلية» تقدم أغاني أم كلثوم غضباً واسعاً، واعتبرتها أسرتها تعدياً على التراث المصري واعتداءً على الإرث الفني والوطني للمطربة واستغلالاً غير مشروع لصوتها، مؤكدين اللجوء إلى القضاء لحماية حقوق الملكية.
أوضح محامي ووكيل أسرة أم كلثوم، أن الشركة المكلفة بمتابعة حقوق أم كلثوم لم تؤدِّ واجبها كما ينبغي، مؤكداً أن الأسرة ستتخذ الإجراءات القانونية ضد الجهة التي سمحت باستخدام صوت المطربة دون إذن. بينما أعربت حفيدة شقيقة كوكب الشرق، جيهان الدسوقي، عن رفضها القاطع لإقامة حفلات «إسرائيلية» تتضمن أغاني الراحلة، ووصفت ما حدث بأنه «اغتصاب للتراث المصري»، مؤكدةً أن أم كلثوم تمثل قيمة وطنية لا يجوز المساس بها. وقالت في تصريح لها: «أم كلثوم هي مصر، ولا نقبل أن يكون صوتها في إسرائيل... لا وألف لا لحفلات إسرائيلية بصوتها، فمصر كلها ترفض ذلك».
الفن والانفصام عن الواقع
يعيش الفن أزمة واضحة وعميقة تظهرها حالة الانفصام عن الواقع والمتغيرات المتسارعة فيه. ثمة جدل واسع ونقاش مفتوح حول الفن وما يعانيه من مشاكل بنيوية تحتاج إلى حلول، وما يمكن أن يقدمه في فترة حاسمة يواصل فيها الجمهور تعامله مع الوقائع المباشرة ويتفاعل معها.
فاطمة خلف