إصلاح التأمين الصحي في سورية... المتقاعدون خارج الخطة، والفقراء يدفعون ثمن «المجانية» المفقودة

إصلاح التأمين الصحي في سورية... المتقاعدون خارج الخطة، والفقراء يدفعون ثمن «المجانية» المفقودة

نشر وزير المالية محمد يسر برنية عبر حسابه على منصة «لينكدإن» بتاريخ 11 تشرين الأول منشوراً كشف فيه عن عقد اجتماع للجنة المشتركة بين وزارة المالية ووزارة الصحة وهيئة الإشراف على التأمين، لمناقشة خطة عمل أو خارطة طريق لإصلاح نظام التأمين الصحي في سورية.

أوضح الوزير أن العمل لا يزال في مراحله الأولى، وأن الخطة ستغطي مسارين رئيسيين:

  • إصلاح خدمات التأمين الصحي للعاملين في الدولة.
  • إصلاح منظومة الضمان الصحي على المستوى الوطني.

وأكد الوزير أن التحول الرقمي ومحاربة الفساد وسوء الاستخدام يشكلان ركيزة أساسية في عملية الإصلاح، معتبراً أن الخدمات الصحية المجانية ستكون محصورة بمحدودي الدخل والفقراء وفق ضوابط معينة، بينما يتعين على القادرين دفع رسوم وأعباء مقابل الخدمة. كما أشار إلى أن الإعلان عن تفاصيل الخطة وخطواتها التنفيذية قد يتم خلال الشهرين القادمين.

المتقاعدون... الغائب الأكبر عن الخطة

رغم أهمية الخطوة باتجاه إصلاح النظام الصحي، إلا أن ما لم يُذكر في حديث الوزير لا يقل أهمية عما ورد فيه. فخارطة الطريق التي يجري إعدادها، بحسب التصريحات، ركزت على العاملين في الدولة والمنظومة العامة للضمان الصحي، لكنها تجاهلت شريحة المتقاعدين التي تمثل اليوم واحدة من أكثر الفئات حاجة للتأمين الصحي.

فالمتقاعدون في سورية يعيشون ظروفاً معيشية صعبة، ليس بسبب تدني معاشاتهم الشهرية فقط، بل بسبب تقدمهم في السن وارتفاع احتمالية إصابتهم بأمراض مزمنة تتطلب علاجاً مستمراً وأدوية باهظة الثمن.

إن تجاهل هذه الفئة في خطة الإصلاح يجعل أي حديث عن عدالة صحية أو حماية اجتماعية ناقصاً ومبتوراً، خصوصاً أن المتقاعد الذي أفنى سنوات خدمته في الدولة لا ينبغي أن يُترك وحيداً أمام تكاليف الدواء والعلاج.

مجانية على الورق... مكلفة على الأرض

النقطة الأكثر إثارة للجدل في حديث الوزير هي قوله إن «الخدمات الصحية المجانية ستُخصص للفقراء ومحدودي الدخل فقط»، في حين أن الواقع الميداني يقول شيئاً آخر تماماً.

فـ«المجانية» المعلنة منذ سنوات لم تعد سوى شعار إداري. ففي معظم المشافي والمستوصفات الحكومية، يُجبر المواطن على شراء المستلزمات والمواد الطبية والأدوية والتحاليل من الخارج، لأن المؤسسات الصحية العامة تعاني من نقص حاد في المواد الأساسية.

حتى في الحالات الطارئة أو العمليات الجراحية، يضطر المرضى أو ذووهم إلى دفع مبالغ كبيرة لتأمين مستلزمات العمل الطبي. وبالتالي فإن القول بأن الفقراء سيحصلون على علاج مجاني يبدو منفصلاً عن الواقع، ما لم يتم أولاً إصلاح جذور المشكلة المتمثلة في ضعف التمويل، وسوء الإدارة، وغياب الرقابة الفعلية على عمل القطاع الصحي العام.

الإصلاح الحقيقي يبدأ من المريض

أي عملية إصلاح في نظام التأمين الصحي ينبغي أن تبدأ من حاجات المريض لا من هيكل المؤسسات. فالتحول الرقمي ومحاربة الفساد خطوات ضرورية، لكنها لن تعيد الثقة بالنظام الصحي ما لم تلمس المواطن مباشرة في تخفيف أعباء الدواء والعلاج.

كما أن الفصل بين «الفقراء» و«القادرين» في الحصول على الخدمة الصحية يثير تساؤلات أخلاقية واقتصادية في آنٍ واحد، إذ كيف يمكن تحديد القدرة المالية بدقة في ظل تفاوت الدخول وتآكل الأجور وغياب معايير شفافة لتصنيف الدخل؟

نحو رؤية شاملة

إصلاح نظام التأمين الصحي لا يمكن أن ينجح إلا برؤية شاملة تراعي ما يلي بداية:

  • إدماج المتقاعدين ضمن منظومة التأمين الجديدة باعتبارهم الفئة الأكثر هشاشة.
  • ضمان مجانية حقيقية للعلاج في القطاع العام من خلال تمويل واقعي ومستدام.
  • تفعيل الرقابة والمساءلة في إدارة الموارد والمشتريات الطبية.
  • اعتماد التحول الرقمي كأداة للشفافية، وليس مجرد شعار إداري.

فالطريق إلى نظام صحي عادل في سورية ما زال طويلاً، لكن النجاح لن يتحقق ما لم تُبْنَ الخطط على الواقع لا على الأمنيات، وما لم يشعر المواطن بأن الدولة تقف فعلاً إلى جانبه حين يمرض، لا أن تتركه بين عيادات خاصة لا ترحم، ومستشفيات عامة بلا دواء.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1247