بين رخص اليد العاملة وكلفة الإنتاج... أيهما أولى العامل أم الصناعي؟
في مقابلة تلفزيونية أثارت جدلاً واسعاً، صرّح وزير الاقتصاد والصناعة والتجارة نضال الشعار بأن «اليد العاملة لدينا رخيصة، سواء أعجبنا ذلك أم لا»، موجهاً حديثه إلى أحد الصناعيين الذي اشتكى من تدني الأجور وارتفاع تكاليف الإنتاج.
وفي سياق الحوار، طرح الوزير سؤالاً بدا كاشفاً لطبيعة النظرة الحكومية في موازنة مصالح العمال والصناعيين حين قال: «خفضنا لكم سعر الكهرباء 5 سنتات، فإذا جعلناها 5 سنت، هل ستمنح العامل 10 سنتات؟».
هذه العبارة، التي انتشرت على نطاق واسع، اختزلت- بنظر كثيرين- منهجية التعاطي الرسمي مع ملف العمال وأجورهم، والتي تبدو قائمة على مقايضة اقتصادية بين الدعم الحكومي وتكاليف الإنتاج، أكثر من كونها رؤية تنموية عادلة.
اليد العاملة «الرخيصة»... ميزة استثمارية أم جرح وطني؟
حين يصف وزير في حكومة دولة ما اليد العاملة بأنها «رخيصة»، فإن الرسالة المبطّنة واضحة: انخفاض الأجور يُعدّ ميزة تنافسية لجذب الاستثمار.
لكن في الحالة السورية، يتحول هذا الطرح إلى مفارقة موجعة، إذ يعيش العامل السوري اليوم واحدة من أقسى الأزمات المعيشية منذ عقود.
فمتوسط الأجور، رغم الزيادات الشكلية، لا يغطي إلا نسبة محدودة من احتياجات الأسرة الشهرية، فيما تتضاعف أسعار الغذاء والوقود والسكن بصورة مستمرة.
إن تحويل ضيق العيش إلى «ميزة اقتصادية» هو في جوهره تطبيع مع الاختلال الاجتماعي. فبدلاً من الاستثمار في رفع كفاءة العمل والإنتاجية، يُختزل العامل إلى مجرد رقم في معادلة التكلفة.
الحكومة والصناعيون... تحالف هشّ ومطالب متناقضة
من جهة أخرى، لا تبدو العلاقة بين الحكومة والقطاع الصناعي أكثر توازناً.
فعلى الرغم من خفض بعض الرسوم وتقديم تسهيلات محدودة في الطاقة، ما زال الصناعيون يشكون من ضعف الكهرباء، ارتفاع أسعار المحروقات، تعدد الرسوم والضرائب، وتعقيد الإجراءات الجمركية والمالية والمصرفية.
وتزداد معاناتهم بسبب المنافسة غير العادلة مع البضائع المستوردة والمهربة التي تغزو الأسواق بأسعار أقل من كلفة الإنتاج المحلي.
فبينما يُطالب الصناعي بالالتزام بالضرائب والرسوم والرواتب والتراخيص، تدخل بضائع غير نظامية بلا حسيب أو رقيب، لتقوّض ما تبقى من فرص الصناعة الوطنية.
لذلك فإن المطلوب اليوم ليس خفض تكلفة الإنتاج فقط، بل حلحلة جذرية لصعوبات ومعيقات الصناعة، بدءاً من الطاقة والتمويل، وصولاً إلى ضبط التهريب والمنافسة غير المتكافئة، وخلق بيئة تُمكّن المنتج السوري من الصمود والمنافسة.
العامل ضحية دائمة
النتيجة المباشرة لهذا المشهد أن العامل السوري يبقى الضحية الدائمة.
فلا الحكومة رفعت أجره بما يتناسب مع تكاليف المعيشة، ولا الصناعي قادر على تحسين دخله في ظل تآكل الربحية وغياب العدالة التنافسية.
وبين الطرفين، تتآكل الطبقة العاملة التي كانت يوماً الركيزة الأساسية للإنتاج الوطني، فيتحول العمل من مصدر كرامة إلى عبء لا يسد الرمق.
المطلوب رؤية متكاملة للعمل والإنتاج
لا يمكن بناء اقتصاد مستدام على حساب العامل، ولا على تضحيات الصناعي وحده.
المطلوب رؤية متكاملة توازن بين عدالة الأجور وعدالة المنافسة، بين حقوق الإنسان العامل وحقوق المستثمر المنتج.
فرفع الأجور ليس ترفاً بل ضرورة وطنية، مثلما أن حماية الصناعة الوطنية من الإغراق والتهريب هي شرط لبقاء الاقتصاد نفسه.
وبمجرد أن يتحقق هذا التوازن يمكن للحديث عن «التعافي الاقتصادي» أن يكون أكثر من مجرد شعار.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1247