الزيتون والزيت محصول استراتيجي مهدد
رهف ونوس رهف ونوس

الزيتون والزيت محصول استراتيجي مهدد

تبدأ الاستعدادات لموسم قطاف الزيتون مع اقتراب موعده لهذا العام، فهو ليس مجرد محصول زراعي، بل رافداً حيوياً وهاماً للاقتصاد السوري، ومكوناً أساسياً على المائدة ضمن العادات الاستهلاكية للسوريين، ناهيك عن أنه مصدر رزق لآلاف العائلات التي تنتظره بلهفة لما سيوفره من مردود يبدد شقاء وعناء عام كامل.

فالقطاف في الحقول بمثابة احتفال شعبي مصغر يجمع العائلة والأقارب والجيران لتبادل المسؤوليات والقصص لتخفيف ثقل الوقت وتحويل التعب إلى أجواء من البهجة، لكن على ما يبدو فالمشهد سيتلاشى هذا الموسم مفتقراً إلى البهجة المعهودة والمردود الكافي!

موسم معاومة ولكن...

موسم الزيتون لهذا العام، هو موسم معاومة حيث تنخفض فيه كميات الإنتاج وهو أمر طبيعي ومتعارف عليه كظاهرة، مما سيؤدي إلى ارتفاع الأسعار بالنسبة للمستهلك.

لكن المفاجئ والمؤلم، هو الأضرار نتيجة التغيرات المناخية ولا سيما الجفاف الذي تعاني منه سورية وينعكس سلباً على المواسم الزراعية، وخاصة على المحاصيل البعلية التي تعتمد على مياه الأمطار التي تشكل 80% من زراعته.

حيث قُدر الإنتاج لهذا العام، حسب تصريح لمدير الاقتصاد والتخطيط الزراعي في وزارة الزراعة «سعيد إبراهيم»، بنحو 600 ألف طن، وهو متراجع مقارنة بالعام الفائت الذي سجل ما يقارب 780 ألف طن، والمساحة المزروعة تُقدر بنحو 510 آلاف هكتار وتحوي 100 مليون شجرة. ويخصص عادة 20% من الإنتاج لزيتون المائدة، والجزء الأكبر للعصر، ويمكن أن ينتج عنه بمتوسط تقريبي 65 ألف طن زيت زيتون هذا الموسم.

الخسارة على حساب الفلاح والمستهلك!

أن يكون الموسم معاومة أمر مُدرّك بالنسبة للفلاحين ولم يكن مفاجئاً، لكن الجفاف وارتفاع درجات الحرارة زاد الطين بلّة، خاصة في مرحلة حرجة من نمو الثمار مع عدم وجود ساعات كافية من البرودة وخاصة في المناطق الساحلية.

ورغم أن شجرة الزيتون تُعرف بمقاومتها للجفاف لكن في الحالات الشديدة تضحّي بالثمار لتحمي نفسها، ولم ينته الأمر هنا، بل جاءت الإصابات الحشرية أيضاً، كذبابة ثمار الزيتون، حفار ساق التفاح ومرض تبقع عين الطاووس الذي أصاب الأشجار في مناطق مختلفة، مع ارتفاع أسعار الأدوية والمبيدات، وعدم فعاليتها حسب أحد المزارعين من مدينة بانياس، فيلجأ إلى المستورد وتزيد الأعباء.

ناهيك عن ارتفاع تكاليف الإنتاج بدءاً من زراعته وتسميده إلى القطاف ومستلزماته والري والنقل والعصر، كذلك أجور اليد العاملة التي تراوحت العام الفائت بين 100-200 ألف يومياً، والتي قد تتقلص فرصها بسبب تراجع الإنتاج الذي وصل إلى نسبة 40% عن العام القات.

فضلاً عن الضرر الأكبر الذي لحق بالأشجار نتيجة الحرائق في السنوات الثلاث السابقة وتسبب بتراجع الإنتاج، وصولاً إلى حرائق هذا العام حيث تضررت نحو 47 ألف شجرة مثمرة، ومنها أشجار زيتون.

والخسارة تطال المستهلك أيضاً، فقد أشارت التقديرات إلى أن معدل استهلاك الفرد لن يتجاوز 2 كغ سنوياً حسب ما أشارت إليه حركة التداول لزيت الزيتون في الأسواق بعدما وصل العام الفائت إلى 5-6 كغ، كما ارتفع سعر الكيلو غرام الواحد من زيت الزيتون الجيد إلى أكثر من 100 ألف ل.س على الرغم من وجود كميات وفيرة مخزنة من الموسم الفائت، ما يشير إلى انخفاض حجم الاستهلاك المحلي وتراجع القدرة الشرائية.

محصول يتطلب مزيد من الاهتمام الحكومي

على الرغم من أهمية هذا المحصول، فالسياسات الحكومية لم تأخذ بعين الاعتبار أهميته الاستراتيجية والوطنية، لا على مستوى دعمه وتحسينه أو على مستوى تصنيع منتجاته ولا الاستفادة من القيمة المضافة إليها وخاصة فيما يتعلق بالتصدير.

فجُلّ قراراتها تتمثل بالسماح فقط، أو منع التصدير ولصالح حيتان التجارة والمحتكرين والمهربين، مما ينعكس سلباً على الفلاح المفقر وتراجع الإنتاج وارتفاع التكاليف، وكذلك الأسعار على المستهلك وتراجع قدرته الشرائية، وبالتالي يقلل معدل استهلاكه أو حتى انعدامه تماماً!

مقابل مزيد من الأرباح لصالح التاجر (على حساب الفلاح ومن جيب المستهلك)، فهو يشتري المادة من الفلاح بالليرة ويُصدّرها بالعملة الصعبة والحكومة تسمح لشركات التصدير والتعبئة لسحب كميات أكبر من السوق المحلي لتتجاوز المحدد لها، وبالتالي ارتفاع الأسعار، وهكذا يُعاد السيناريو كل عام وسط السياسات الظالمة والإهمال الرسمي المتعمد.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1242