محصول الذرة ... تراجعٌ متواصل لصالح الاستيراد
فرح شرف فرح شرف

محصول الذرة ... تراجعٌ متواصل لصالح الاستيراد

استقبل ميناء طرطوس في يوم 30 آب الباخرة BC Amer»» المحمّلة بأكثر من 36 ألف طن من الذرة وكسبة فول الصويا الأرجنتينية. وقد أشار مكتب العلاقات العامة للمنافذ البرية والبحرية إلى هذه الخطوة بوصفها بداية جديدة لحركة الاستيراد المباشر.

ولكن هل بالفعل يُعدّ ذلك انطلاقة في عمليات التوريد وتأمين احتياجات السوق المحلية، أم إن الشحنة هي حلقة جديدة في مسلسل طويل من التفكيك المنظم للزراعة المحلية، ودفع المزارع نحو الإفلاس؟

بين إنتاج العام الماضي وإمكانيات اليوم

بالعودة قليلاً إلى الوراء، نجد أن الإنتاج المحلي من الذرة للعام الماضي قُدر بـ 338 ألف طن، ما يشير إلى حجم إمكانات يمكن تعزيزها وتنميتها. ولكن عندما يُقابل الإنتاج المحلي باستيراد كميات من الذرة، حتى لو كانت جزءاً من 36 ألف طن من المواد المستوردة، فإن ذلك يبعث برسائل متعددة.

فالمزارع الذي يكد ويكدح يتوقع أن يجد سوقاً لمنتجه بأسعار عادلة، وأن يحظى منتجه بالأولوية، وإلا سيفقد الأمل في الاستمرار. أما استيراد الدولة لموادَّ قادرة بقليل من الدعم أن تغطي الاستهلاك المحلي، فهو أشبه بالتوجه نحو إفلاس متعمّد في دعم القطاع الزراعي.

علاج المشكلة أم الاستيراد؟ ... الاستيراد طبعاً!

تمثلت أزمة المزارعين في السابق بنقص المجففات، والتي تحولت من خدمة أساسية تقدمها الدولة لدعم الفلاحين، إلى «هبة» تُمنح للقطاع الخاص، الذي فرض تكاليف باهظة، التهمت أي هامش ربح قد يحققه المزارع، ما اضطر بعضهم إلى تجفيفه طبيعياً، عبر نشر المحصول في الشوارع وعلى الأسطح.

وبدلاً من خفض التكاليف والمساهمة في زيادة الناتج المحلي، استمر النهج نفسه في تكريس الأمر الواقع. بحيث يجد المزارع نفسه بين فكيّ كماشة، فمن جهة يواجه كلَف إنتاج مرتفعة (كالبذار والأسمدة)، ومن جهة أخرى لم يعد قادراً على تسويق وبيع محصوله بعد أن تحول التجفيف إلى أداة تُستخدم ضده، ما يعطي ذريعة لفتح باب الاستيراد.

الذرة أكثر من مجرد محصول

يحمل التوجه نحو استيراد الذرة كحلٍ سريع لسد الفجوات مخاطر كثيرة تهدد الأمن الغذائي والاقتصادي، لكونها تدخل في قطاعات حيوية متعددة.

فتشكل الذرة المكون الأساسي لأعلاف الحيوانات والدواجن، ما يعني أنها تدخل مباشرة في إنتاج اللحوم والبيض والألبان، وهذه المنتجات ليست سلعاً كمالية، بل جزءاً أساسياً من السلة الغذائية للسوريين. وبالتالي يصبح الاعتماد على الاستيراد لأغراض الأعلاف محورياً في إبقاء غذاء السوريين رهناً بالتقلبات العالمية، والأخطر من ذلك، رهناً بالسماسرة وحيتان الاستيراد!

ويتجلى الدور الاستراتيجي للذرة في القطاع الصناعي؛ من دقيق الذرة والزيت والنشاء والمحلّيات الصناعية والبلاستيك وغيرها الكثير. أي إنه يُسهم في خلق قيمة مضافة هائلة، ويوفر مليارات الليرات التي تُهرب سنوياً لاستيراد هذه المنتجات.

من ينتصر؟

في هذه المعادلة هناك طرفان، المزارع السوري والأمن الغذائي للبلاد والاقتصاد المُنتج، وهو الطرف الذي تدفعه سياسات الإهمال وتراكم الصعوبات إلى الخسارة بشكل متواصل. والطرف الثاني المكوّن من تحالف الفساد ومن يدور في فلكه من حيتان الاستيراد وأصحاب الأرباح والسماسرة المرتبطين به، وكل من يستفيد من تحويل سورية إلى سوق استهلاكية دائمة للمنتج المستورد.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1242