خصخصة مقنّعة تهدد الدواء السوري... معمل تاميكو في مواجهة الخطر
في الآونة الأخيرة، أثار تصريح مازن محمد بترجي، ممثل إحدى الشركات القابضة السعودية، حول الرغبة في الاستحواذ على معامل أدوية سورية، جدلاً واسعاً، خاصة وأن سورية لا تمتلك سوى معمل واحد للأدوية مملوك للدولة هو «تاميكو».
ويبدو أن هذا الاستحواذ يأتي في سياق الترويج لخطط الاستثمار تحت عناوين «التشاركي» التي تطرحها الحكومة الانتقالية السورية.
فقد نقلت صحيفة الثورة بتاريخ 5 آب 2025 عن مازن بترجي قوله: «الهدف الرئيسي لتوسع شركته في السوق السوري يتمثل في الاستحواذ على مصانع أدوية، رغم المشاركة الحالية في قطاعات أخرى مثل حبيبات البلاستيك ومنتجات الأطفال... نحن حالياً نصدّر حبيبات البلاستيك وبعض منتجات الأطفال إلى سورية، لكن السبب الرئيسي في تواجدنا الآن وهو الاستحواذ على مصانع أدوية».
تاميكو آخر حصون الدواء الحكومي
يُعد معمل «تاميكو» الركيزة الأساسية للصناعة الدوائية الحكومية في سورية، وأحد الرموز القليلة المتبقية للقطاع العام في هذا المجال. الاستحواذ عليه يعني فعلياً خروج الدولة من أي دور إنتاجي مباشر في قطاع الأدوية، وترك الأمر بالكامل لسيطرة القطاع الخاص المحلي أو الأجنبي، وهو ما يشكل تهديداً مباشراً للأمن الصحي الوطني.
التشاركية أم خصخصة مقنّعة؟
تطرح الحكومة الانتقالية السورية مشروع «التشاركية» كإطار لجذب الاستثمارات الخارجية، لكن في حالة تاميكو، قد تتحول هذه التشاركية إلى خصخصة مقنّعة تمنح المستثمر الأجنبي السيطرة على إدارة وإنتاج وتوزيع الأدوية، مع تقليص دور الدولة إلى مجرد جهة تنظيمية ضعيفة التأثير.
المعامل الخاصة... قدرات محاصرة ومعيقات متراكمة
إلى جانب تاميكو، يوجد في سورية عشرات معامل الأدوية الخاصة التي لعبت دوراً مهماً في تغطية السوق المحلية.
لكن هذه المعامل تواجه ظروفاً صعبة تشمل:
ارتفاع تكاليف الإنتاج بسبب زيادة أسعار المواد الخام المستوردة وصعوبة تأمينها بفعل العقوبات.
مشكلات الطاقة والكهرباء، فالانقطاعات الطويلة وارتفاع أسعار المحروقات تعرقل استمرارية العمل وتخفض الإنتاجية.
تذبذب سعر الصرف الذي يؤدي إلى صعوبة وضع تسعير ثابت للدواء ويخلق حالة من عدم الاستقرار في السوق.
ضعف القدرة التصديرية نتيجة القيود المفروضة على التحويلات المالية وصعوبة الشحن.
هذه المعامل، رغم مثابرتها، تعمل تحت ضغط كبير وتواجه خطر التوقف أو تقليص نشاطها، وهو ما يجعل أي خروج للدولة من الإنتاج (عبر فقدان تاميكو) أمراً بالغ الخطورة، لأنه يترك السوق رهينة لقطاع خاص ضعيف الموارد ومحاصر بالعقبات.
المخاطر على الأمن الدوائي
يمكن تكثيف المخاطر بالنقاط الآتية:
فقدان السيطرة الوطنية، فخروج تاميكو من يد الدولة يعني أن القرارات المتعلقة بالإنتاج والأسعار والمخزون ستكون بيد جهة أجنبية، قد تقدم مصالحها الربحية على احتياجات السوق المحلي.
ارتفاع الأسعار، فمع غياب المنافسة الحكومية، قد ترتفع أسعار الأدوية بشكل يثقل كاهل المواطنين.
تعرض البلاد للأزمات، فالاعتماد على مستثمر خارجي يجعل سورية أكثر عرضة لهزات سياسية أو اقتصادية قد تؤدي إلى توقف الإمدادات الدوائية.
البعد الاجتماعي والاقتصادي
تاميكو ليس مجرد مصنع أدوية، بل هو مؤسسة توظف مئات العاملين وتدعم الاقتصاد المحلي عبر سلاسل توريد واسعة، وكذلك يغطي جزءاً مهماً من الاحتياج الدوائي على المستوى المحلي، بالإضافة إلى حصته من أسواق التصدير. وأي استحواذ قد يفتح الباب أمام تسريح العمال أو إعادة هيكلة تهدد الاستقرار الاجتماعي.
خطوات للحماية
المصلحة الوطنية تفرض اتخاذ خطوات حماية تتمثل بالآتي:
رفض أي صيغة استثمار تُفقد الدولة السيطرة على قطاع الأدوية الحكومي.
دعم وتأهيل المعامل الخاصة لتكون مكملة لدور الدولة بدلاً من تركها لمواجهة مصيرها منفردة.
ضمان شفافية العقود وإشراك النقابات والجهات المختصة في أي مفاوضات.
إن الحفاظ على معمل تاميكو والمعامل الوطنية الخاصة معاً هو الضمان الحقيقي لاستقرار السوق الدوائي السوري. وأي استحواذ خارجي في ظل هذه الظروف قد يعني ضرب الصناعة الوطنية في مقتل، وترك صحة المواطن مرهونة لمصالح تجارية خارجية.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1238