مشروع التزود بالغاز المنزلي من الأردن... ربح أردني وخسارة سورية– من يدفع الثمن؟

مشروع التزود بالغاز المنزلي من الأردن... ربح أردني وخسارة سورية– من يدفع الثمن؟

في خطوة وُصفت بأنها تعاون إقليمي في مجال الطاقة، أعلنت شركة مصفاة البترول الأردنية عن دراسة مقترح لتزويد سورية بالغاز المنزلي من خلال استقبال أسطوانات فارغة من الجانب السوري، وتعبئتها في الأردن، ثم إعادتها إلى سورية. 

ووفق ما صرّح به الرئيس التنفيذي للمصفاة، حسن الحياري، بتاريخ 28 تموز 2025، فإن المشروع المقترح يشمل تعبئة نحو 40 ألف أسطوانة يومياً خلال فصل الصيف، مع إعطاء الأولوية للسوق الأردني في الشتاء.

ورغم أن المقترح يبدو حلاً فنّياً لتجاوز جزء من أزمة الطاقة السورية، إلا أن التحليل الاقتصادي يكشف أنه يحمل جدوى اقتصادية كبيرة للأردن، لكنه في المقابل يرفع الكلفة على سورية والمستهلك السوري، ويطرح تساؤلات حول الاستدامة والسيادة في ملف الطاقة.

واقع معامل التعبئة والإنتاج في سورية

تمتلك سورية حالياً ما لا يقل عن 5 معامل تعبئة رئيسية موزعة بين مصفاة بانياس ومصفاة حمص ومعمل حيان ومعمل الغاز في المنطقة الوسطى وغيرها. هذه المعامل، بحسب التقديرات الرسمية، تنتج ما يقارب 650 طناً يومياً من الغاز المنزلي، وهو ما يعادل نحو 65 ألف أسطوانة يومياً.

لكن الطلب الفعلي في السوق السورية أعلى بكثير. فوفق البيانات الحكومية، تبلغ الحاجة اليومية للمواطنين نحو 123 ألف أسطوانة، أي ما يعادل 1,233 طناً من الغاز السائل يومياً. الفجوة بين الإنتاج والحاجة تبلغ نحو 58 ألف أسطوانة يومياً، وهو ما يعكس عجزاً يتجاوز 47% من الاحتياج المحلي.

ماذا يقدم المقترح الأردني؟

بحسب الخطة المقترحة، سيتم يومياً تعبئة نحو 40 ألف أسطوانة في الأردن وإعادتها إلى سورية. هذه الكمية تغطي نحو ثلث الاحتياج الكلي للسوق السوري، لكنها تُشكل أكثر من 65% من العجز القائم حالياً.

أي إن المشروع، إذا نُفذ، سيكون ركيزة أساسية لسد النقص في السوق السورية، ولا سيما خلال فترات الذروة أو الشتاء. لكنه بالمقابل لا يُعالج السبب الجذري للأزمة، المتمثل في نقص الغاز الخام وتشغيل معامل التعبئة السورية بأقل من طاقتها.

الكلفة الحقيقية لكل أسطوانة

تكلفة تعبئة أسطوانة الغاز الواحدة في الأردن ليست بسيطة. إذ تشير التقديرات إلى أن أجور التعبئة وحدها تتراوح بين 1,5 إلى 2 دولار أمريكي للأسطوانة، تضاف إليها أجور النقل ذهاباً وإياباً عبر الحدود، والتي تصل إلى نحو دولار واحد. هذا بالإضافة إلى نفقات الفحص، والرسوم المحتملة على المعابر، ومصاريف التشغيل داخل سورية (مثل التوزيع والنقل المحلي). وعليه، فإن التكلفة الكلية لتعبئة ونقل الأسطوانة الواحدة قد تتراوح بين 2,7 و3,8 دولار أمريكي.

في المقابل، فإن تكلفة تعبئة الأسطوانة داخل سورية– إن توفر الغاز الخام– لا تتجاوز في أفضل تقدير 0,6 إلى 1 دولار أمريكي فقط. هذا يعني أن تعبئة الأسطوانة في الأردن تكلف الدولة السورية أو المستهلك نحو ثلاثة إلى خمسة أضعاف الكلفة المحلية.

من يتحمل هذه الكلفة؟

الواضح أن الحكومة السورية لا يمكنها تحمل هذا الفارق الكبير في التكلفة على المدى الطويل، خاصة في ظل الأزمة الاقتصادية الحالية. وبالتالي، فإن الكلفة الإضافية ستُحمل في النهاية للمستهلك السوري، سواء بشكل مباشر عبر رفع السعر الرسمي للأسطوانة، أو غير مباشر عبر توسع السوق السوداء.

ويُذكر أن سعر الأسطوانة في السوق السورية يتراوح حالياً بين 125,000 إلى 150,000 ليرة سورية، وهو ما يعادل نحو 13 دولاراً أمريكياً، حسب سعر الصرف الرسمي (11,000 ل.س/دولار). هذه الأرقام تعكس واقعاً معيشياً صعباً، وقد تؤدي أي زيادة إضافية إلى مزيد من الاحتقان الاجتماعي.

الرابح الأكبر الاقتصاد الأردني

على الجانب الآخر، فإن الاقتصاد الأردني يقف في موقع المستفيد الأول من هذا المقترح. إذ إن تعبئة 40,000 أسطوانة يومياً بأجر تعبئة يبلغ 1,5 دينار أردني (نحو 2,1 دولار) تعني تحقيق دخل يومي يتجاوز 84,000 دولار. وبذلك فإن المشروع يدر على الأردن أكثر من 2,5 مليون دولار شهرياً دون الحاجة إلى أي استثمار إضافي في البنية التحتية، مع تشغيل أفضل لمعامل التعبئة، ودعم مباشر لقطاع النقل واللوجستيات المحلية.

هذا إلى جانب أن المشروع يمنح الأردن نفوذاً اقتصادياً ناعماً في محيطه الإقليمي، دون الدخول في التزامات سياسية أو مالية مباشرة.

من يخسر فعلياً؟

الخسارة الكبرى في هذا المشروع تقع على عاتق سورية كجهات إنتاجية، والمستهلك السوري كطرف نهائي. فمن جهة، تخسر سورية فرصتها في تنشيط معاملها الوطنية وتحقيق الاكتفاء الذاتي، وتتحول إلى مستورد لخدمة يمكن أن تُقدمها داخلياً بكفاءة أكبر. ومن جهة أخرى، يدفع المواطن السوري الثمن، إما عبر ارتفاع الأسعار الرسمية، أو عبر توسع السوق السوداء.

حل لا يعالج جذور الأزمة

يبدو المشروع المقترح لتعبئة أسطوانات الغاز السورية في الأردن حلاً سريعاً لسد فجوة الإمداد، لكنه لا يُعالج جذور الأزمة السورية في قطاع الطاقة، بل قد يزيد من الاعتماد على الخارج ويضعف الإرادة المحلية لإعادة تشغيل القطاع الإنتاجي.

وعليه، إذا كانت هذه الخطوة مؤقتة وموسمية فهي مقبولة من باب «إدارة الأزمة»، أما إذا تحولت إلى اعتماد دائم، فإنها ستُحول واحدة من أبسط أساسيات الحياة اليومية إلى ملف خارجي، تُقرر كلفته من خارج الحدود ويُسدد ثمنه المواطن السوري من دخله المحدود.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1237