بيان المركزي حول الاحتيال المصرفي... تحذيرٌ دون معالجة جذرية
أصدر مصرف سورية المركزي بتاريخ 16 تموز الحالي بيان توعية وتحذير عبر منصاته على وسائل التواصل الاجتماعي، نبّه فيه عملاء القطاع المصرفي من تزايد عمليات الاحتيال المالي التي تستهدف أموالهم وودائعهم.
البيان رصد عدداً من أساليب الاحتيال المتكررة، والتي تتضمن:
- إعلانات وهمية على وسائل التواصل الاجتماعي تدّعي استقبال الحوالات المصرفية وتسليم قيمتها نقداً مقابل عمولة، ثم يتم حظر العميل بعد تحويل الأموال.
- روابط إلكترونية خبيثة ترسل للعميل للحصول على بياناته المصرفية، وسحب أمواله مباشرة من حسابه.
- تسليم أوراق نقدية مزورة أو حوالات مصرفية مزيفة في عمليات بيع وشراء.
- وعد بإيداع مقابل نقد أجنبي في الحسابات بسعر صرف أعلى من السعر الرسمي، ومن ثم اختفاء الجهة المستلمة.
ورغم أهمية هذا التحذير الرسمي، إلا أن البيان تجنب التطرق إلى الأسباب الجذرية التي تدفع المواطنين للجوء إلى مثل هذه التعاملات غير الآمنة.
أزمة ثقة في النظام المصرفي الرسمي
الواقع أن تصاعد عمليات الاحتيال لا يمكن فصله عن سياق اقتصادي ومصرفي مأزوم.
فمع تقييد سقوف السحب النقدي وصعوبة التصرف بالودائع، وجد كثير من المواطنين أنفسهم أمام خيارات محدودة. وعندما تُغلق الأبواب الرسمية، يُفتح المجال واسعاً أمام السوق السوداء والمنصات غير القانونية.
فالمركزي يطالب المواطنين بعدم التعامل مع جهات غير معروفة، بينما هو نفسه يغلق الأبواب أمام الخيارات الرسمية الآمنة، ويترك المواطن عالقاً بين الحاجة للسيولة وخطر التعرض للنصب.
سعر الصرف... الفجوة التي تُغري بالاحتيال
جانب آخر من المشكلة، هو سعر الصرف. فوجود فجوة واضحة بين السعر الرسمي وسعر السوق الموازية، مع إغلاق البوابات أمام التصريف بالسعر الرسمي، جعل المواطنين عرضة للإغراء من جهات تعرض التصريف بأسعار أعلى، لكن بطرق غير قانونية، أو محفوفة بالمخاطر. وهذا ما يستغله المحتالون، فيعرضون أسعاراً مغرية، ليوقعوا الضحايا في شباكهم.
المطلوب إصلاح قبل التحذير
لا شك أن التحذير مهم وضروري، لكن لا يمكن أن يُحدث فرقاً حقيقياً ما لم يرافقه إصلاح جدّي في السياسات المالية والمصرفية.
فلو أُتيحت للمواطن قنوات رسمية مرنة وفعالة لتحويل الأموال وسحبها وتصريف العملات، لما اضطر للجوء إلى طرق غير آمنة.
إن المركزي مسؤول، ليس فقط عن تنظيم السوق، بل عن خلق بيئة مصرفية آمنة ومُحفّزة. وهذا يتطلب:
- إعادة النظر في سقوف السحب النقدي، وتقديم حلول واقعية تتناسب مع حاجة المواطنين.
- توسيع القنوات الرسمية للتصريف والتحويل بأسعار معقولة وبإجراءات ميسرة.
- تعزيز وسائل الأمان الإلكترونية، وتثقيف المواطنين حول كيفية حماية بياناتهم.
- ملاحقة المحتالين فعلياً عبر التنسيق مع الجهات القضائية والأمنية، بدلاً من الاكتفاء بتحذير الضحية.
المعالجة تبدأ من الداخل
نعم، المواطن مطالب بالحذر، لكن الدولة والمركزي مطالبان بخلق بيئة لا يُضطر فيها المواطن للاختيار بين الخطر أو الجوع.
فالتحذيرات وحدها لا تكفي، ولا تعفي من المسؤولية. إذا أردنا الحد من الاحتيال، يجب أولاً سد الثغرات التي ينفذ منها المحتالون، وهي في الغالب من صنع السياسات المصرفية نفسها.
فالتحذير ليس بديلاً عن الإصلاح، والإصلاح هو الطريق الوحيد لبناء ثقة حقيقية بين المواطن والمصرف.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1235