مأساة استمرار موجات النزوح... هروب جماعي من الموت إلى المجهول
شهدت سورية واحدة من أعنف موجات النزوح الداخلي في تاريخ أزمتها المستمرة منذ أكثر من عقد، حيث تتفاقم الأوضاع الإنسانية بشكل خطر نتيجة التدهور الأمني المتسارع في محافظة السويداء.
فبحسب تقرير صادر عن المنظمة الدولية للهجرة بتاريخ 18 تموز 2025، فقد نزح أكثر من 79 ألف شخص من السويداء منذ الثالث عشر من الشهر ذاته، بينهم 20 ألف نازح في يوم واحد فقط، في مؤشر واضح على حجم الكارثة المتسارعة.
هذا النزوح الجماعي ليس حدثاً طارئاً فحسب، بل هو هروب جماعي من واقع قاتل يطارد السوريين في منازلهم، حيث تتساقط الحياة اليومية قطعةً قطعة.
انهيار الخدمات الأساسية في السويداء، بما في ذلك انقطاع الكهرباء، وتعطل شبكات المياه والاتصالات، أخرج المدينة من إطارها كمساحة للعيش، وجعلها منطقة طاردة للسكان.
ويُعد نقص الوقود أحد أكثر العوامل خطورةً، إذ شل حركة النقل، وأعاق عمليات الإجلاء الطارئ، ما جعل كثيراً من العائلات محاصرة في مناطق النزاع، غير قادرة على الهرب. كما أثر ذلك سلباً على عمليات توزيع المساعدات والخدمات الإنسانية، ما ساهم في تفاقم حالة انعدام الأمن الغذائي، خاصة مع إغلاق الأسواق وقطع الطرق.
محافظة درعا، رغم ظروفها الصعبة، أصبحت ملاذاً للنازحين، حيث تستضيف حالياً أكثر من 30 ألف شخص في ملاجئ مؤقتة ومجتمعات مضيفة باتت مثقلة فوق طاقتها. ومع هذا الضغط الكبير، تشهد المرافق الصحية في درعا والسويداء انهياراً وظيفياً، إذ تعاني من نقص حاد في الكهرباء والإمدادات الطبية، مما يهدد حياة آلاف المرضى والجرحى، خاصة الأطفال والمسنين.
ورغم تصريحات وزير الطوارئ وإدارة الكوارث رائد الصالح في 19 تموز 2025، بأن الحكومة قد شكلت غرف عمليات مشتركة بين الوزارات، وأنه تم إنشاء 21 مركز إيواء في درعا مع العمل على تجهيز 20 مركزاً إضافياً، إلا أن الواقع الميداني يشير إلى أن حجم الأزمة يفوق بكثير قدرة الاستجابة الحالية.
وأضاف الوزير أن هناك فرقاً ميدانية تعمل على معبري بصرى الشام وبصرى الحرير لتأمين العائلات الراغبة في الانتقال إلى مناطق أكثر أمناً، في إشارة إلى محاولات التنظيم والتنسيق مع المنظمات المحلية والدولية منذ بداية الأزمة، لكنها لا تزال بعيدة عن تلبية الحاجات المتزايدة.
ما يجري ليس مجرد تحرك سكاني مؤقت، بل هو تفكك إنساني واجتماعي شامل لمجتمع يُطارد فيه الموت أفراده، فيدفعهم إلى النزوح قسراً نحو المجهول.
النتائج المباشرة لذلك مدمرة، من تفشي الفقر، إلى ازدياد التوتر بين المجتمعات المضيفة والنازحة، إلى تعطيل العملية التعليمية للأطفال، وتفشي الأمراض في مراكز الإيواء التي غالباً ما تفتقر إلى الحد الأدنى من مقومات الحياة.
أما النتائج بعيدة المدى، فهي أشد قتامة، اعتباراً من فقدان الانتماء، مروراً بترسيخ الفجوات الطبقية والجغرافية، وليس آخراً بانهيار الأمل في مستقبل مستقر للسوريين داخل وطنهم.
فموجات النزوح المستمرة هي جرس إنذار لا يجب تجاهله، فهي تشير إلى أن القاتل الحقيقي لم يعد في ساحات القتال فقط، بل في تفاصيل الحياة اليومية التي أصبحت مستحيلة في ظل غياب الأمن والخدمات.
تبقى الاستجابة الإنسانية الحالية خطوة ضرورية لكنها غير كافية، ما لم تقترن بحل سياسي حقيقي ومستدام يعيد الأمان للسوريين ويضع حداً لهذا التهجير القسري المتكرر الذي بات جزءاً مؤلماً من الواقع السوري.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1235