اتفاقيات إسحاق: محاولة يائسة من «إسرائيل»  لتعويض عزلة غير مسبوقة

اتفاقيات إسحاق: محاولة يائسة من «إسرائيل» لتعويض عزلة غير مسبوقة

في خطوة تكشف عمق الأزمة الاستراتيجية التي تواجهها «إسرائيل»، أطلق الرئيس الأرجنتيني خافيير ميلي مبادرة «اتفاقيات إسحاق» في حزيران 2025، بتمويل هزيل لا يتجاوز مليون دولار من جائزة «جينيسيس» «الإسرائيلية» التي نالها في القدس المحتلة. تهدف المبادرة إلى استنساخ نموذج «اتفاقات إبراهيم» في أمريكا اللاتينية، مستهدفةً دولاً هامشية مثل أوروغواي وبنما وكوستاريكا. يطرح المشروع سؤالاً محورياً: لماذا تلجأ «إسرائيل» إلى وكلاء من الدرجة الثانية في قارة ترفضها علناً؟ 

جذور الأزمة: العزلة التي لا تُردم

شهدت أمريكا اللاتينية - الحصن التاريخي للكيان الصهيوني في الجنوب العالمي - تحولاً جذرياً يهدد أسس وجوده الدبلوماسي. فبوليفيا قطعت العلاقات الدبلوماسية كلياً عام 2023 واصفة عمليات غزة بـ«الإبادة المنظمة»، فيما علقت كولومبيا علاقاتها في أيار 2024 بعد مجزرة رفح، بينما تتصدر البرازيل تحت قيادة لولا دا سيلفا حملة دولية لمحاكمة «إسرائيل» بتهمة الإبادة الجماعية أمام محكمة العدل الدولية. 

هذا الرفض اللاتيني يتوازى مع عزلة عالمية متصاعدة، حيث صوتت 153 دولة لصالح وقف إطلاق النار الفوري في غزة بالجمعية العامة للأمم المتحدة، واستدعت ثماني دول لاتينية سفراءها من تل أبيب، فيما سجلت حركات المقاطعة (BDS) في الجامعات الغربية ارتفاعاً بنسبة 300% منذ عام 2023. 

 

تفكيك المبادرة: وهم التأثير

تتجلى هشاشة «اتفاقيات إسحاق» في ثلاثة محاور أساسية:

أولاً، التمويل الهزيل الذي لا يساوي 0.1% من ميزانية الدبلوماسية «الإسرائيلية» السنوية (1.2 مليار دولار)، مع ملاحظة أن الجائزة مُنحت لميلي بعد 72 ساعة فقط من إعلانه نقل السفارة الأرجنتينية إلى القدس، في صفقة تذكّر بفساد «صفقة القرن». 

ثانياً، تركيز المبادرة على دول هامشية تمثل مجتمعةً 1.8% من الناتج الإجمالي لأمريكا اللاتينية و3.5% من التصويت في منظمة الدول الأمريكية، بينما ترفض القوى الفعلية في القارة - البرازيل والمكسيك وكولومبيا - أي تعاون مع «إسرائيل». 

ثالثاً، التناقض الصارخ مع الإرادة الشعبية، حيث كشف استطلاع لاتينوباروميتر 2025 أن 82% من سكان المنطقة يرون «إسرائيل» «دولة فصل عنصري»، بينما اجتاحت مسيرات مليونية عواصم من سانتياغو إلى مكسيكو سيتي رافعة الأعلام الفلسطينية.

 

السياق الأوسع: أفول النفوذ «االإسرائيلي»

تأتي هذه المبادرة في لحظة تاريخية تشهد انهياراً متسارعاً للنموذج «الإسرائيلي». فبينما أُبرمت «اتفاقات إبراهيم» (2020) بدعم عسكري أمريكي ووعود استثمارية إماراتية ضخمة بلغت 10 مليارات دولار، تظهر «اتفاقيات إسحاق» كمحاولة فجة لخلق وهم نفوذ بتمويل لا يكفي حتى لتغطية رواتب فريق دبلوماسي. 

المؤشرات الاستراتيجية تكشف عمق الأزمة: تراجع الدعم الأمريكي بين الشباب حيث يؤيد 48% من جيل Z (نهاية التسعينيات وبداية الألفينيات) فلسطين، وهناك أزمة شرعية دولية تعبر عنها موافقة 75% من دول العالم على عضوية فلسطين الكاملة في الأمم المتحدة، وانهيار أخلاقي تمثل بإصدار محكمة الجنايات الدولية مذكرات اعتقال بحق مسؤولين «إسرائيليين». 

أما خافيير ميلي - العميل المختار - فيعاني من معضلة وجودية: فقد هبطت شعبيته في الأرجنتين إلى 32% بعد تحالفه مع نتنياهو، ورفض البرلمان تمويل نقل السفارة إلى القدس، بينما جعلته تصريحاته الداعية لهدم الأقصى شخصاً غير مرغوب في 57 دولة إسلامية.

 

رمال متحركة

ليست «اتفاقيات إسحاق» دليلاً على القوة، بل اعترافاً صارخاً بالضعف. إنها صفقة يائسة بمليون دولار توزعها دولة تنفق ملياراً شهرياً على حرب غزة، يستخدم فيها وكلاء منبوذون في قارة ترفض المشروع الصهيوني جملةً وتفصيلاً. 

المشهد الأكثر دلالة يكمن في تحول «إسرائيل» من الاحتفاء بـ«اتفاقات إبراهيم» كإنجاز تاريخي، إلى الاختباء خلف رئيس متطرف في الأرجنتين. يظل السؤال الأكثر إلحاحاً: هل يمكن لمشروع عنصري أن يبني تحالفات دائمة في عالم يرفض الاستعمار الجديد؟ 

 

«عندما تدفع «إسرائيل» مليون دولار لشراء صداقة دول هامشية، فهي تعترف بأن ساعة الحساب الجيوسياسي قد دقت» - تقرير معهد الدراسات ما بعد الكولونيالية، تموز 2025.