الإصلاح الضريبي في سورية.. هل يقود إلى تخفيض الإنفاق العام؟

الإصلاح الضريبي في سورية.. هل يقود إلى تخفيض الإنفاق العام؟

أعلنت الحكومة السورية مؤخراً عن مشروع قانون ضريبي جديد، من المزمع تطبيقه مع بداية عام 2026، كجزء من خطة أوسع لإصلاح النظام المالي والاقتصادي.

يهدف هذا التوجه، بحسب ما أُعلن، إلى تحقيق العدالة الضريبية وتبسيط الجباية، لكنه يطرح في المقابل تساؤلات حاسمة حول أثره المتوقع على الإيرادات العامة، وبالتالي على الإنفاق الحكومي في بلد يواجه تحديات مالية عميقة.

ملامح المشروع الضريبي الجديد

يتضمن المشروع الضريبي جملة من الإجراءات النوعية، من أبرزها:

  • إعفاء الأفراد ذوي الدخل السنوي الأقل من 12,000 دولار من ضريبة الدخل.
  • تخفيض الضريبة على الشركات الصناعية والتجارية إلى 10–15%.
  • إلغاء ضريبة الإيجارات السكنية للمواطنين السوريين.
  • إلغاء نظام «الدخل المقطوع» واستبداله بنظام يستند إلى الدخل الصافي الحقيقي وفواتير إلكترونية.
  • دمج الضرائب والرسوم المتعددة في رسم ضريبي موحّد.
  • اعتماد التحول الرقمي الكامل في التكليف والتحصيل الضريبي، باستخدام الفوترة الإلكترونية، وربط البيانات مع وزارة المالية.

التغييرات في نسب الضرائب.. أين النقص وأين الثبات؟

شهد النظام الجديد بحسب ما رشح عنه تخفيضات كبيرة في نسب الضرائب المفروضة على بعض المطارح، مقابل إعفاءات كاملة أو تثبيت للنسب في مطارح أخرى.

من أبرز هذه التعديلات:

  • خفض ضريبة النشاط الصناعي من نحو 20% إلى 10%، في محاولة لتحفيز الإنتاج المحلي.
  • تقليص النسبة على القطاعات التعليمية والتقنية والصحية إلى 10%، بعد أن كانت ضمن الفئات الأعلى.
  • تثبيت النسبة على الأنشطة التجارية والخدمية عند 15%، مع دمج رسوم كانت تُفرض بشكل منفصل.
  • إعفاء كامل للأنشطة الزراعية والبنوك الإسلامية وتداول الأسهم بنسبة 0%.
  • تخفيض ضريبة المستثمرين غير المقيمين إلى 2% فقط.
  • إلغاء ضريبة الإيجارات السكنية للسوريين بالكامل، واعتماد قيمة العقد المصرّح بها كمرجع ضريبي في البيوع العقارية.

هذه التغييرات، ربما تهدف إلى جعل النظام أكثر عدالة وفعالية، لكنّها قد تُفضي إلى تراجع جزئي في الحصيلة الضريبية، خصوصاً إذا لم يُقابل ذلك بتحسين فعلي في الامتثال وتوسيع القاعدة الضريبية.

أين العدالة الضريبية في النظام الجديد؟

رغم ما يُعلن عن التعديلات من سعي لتحقيق العدالة الضريبية، إلا أن النظام المقترح يثير تساؤلات حقيقية حول التزامه بمبدأ التصاعدية، وهو أساس العدالة الضريبية في معظم الأنظمة الضريبية الحديثة.

فقد جاء المشروع بمعدلات موحدة لكل قطاع بغض النظر عن حجم الأرباح، أو الفروقات داخل النشاط الواحد، مما يعني أن مستثمراً كبيراً في القطاع الصناعي يدفع ذات النسبة (10%) التي يدفعها صاحب ورشة صغيرة.

كما أن إعفاءات قطاعات ربحية كالبنوك الإسلامية، أو المستثمرين غير المقيمين (بنسبة 2%)، توحي بمحاباة لفئات رأسمالية على حساب مبدأ التوزيع العادل للعبء الضريبي.

فالعدالة الحقيقية لا تقتصر على إعفاء الفقراء، بل تتطلب أيضاً أن يساهم الأغنياء وأصحاب الأرباح الكبرى بنسبة أعلى تتناسب مع قدرتهم المالية، لا مع نفوذهم.

فمن دون إدخال تصاعدية حقيقية على مستوى الدخل، فإن النظام الجديد سيُعمّق التفاوت الاجتماعي بدلاً من معالجته، خاصة في ظل انكماش الإنفاق العام وتراجع الخدمات.

هل ستنخفض الإيرادات الضريبية؟

من المرجح أن يؤدي تطبيق هذه التعديلات إلى انخفاض الإيرادات الضريبية على المدى القصير، وذلك نتيجة ما يلي:

  • خسارة شريحة من دافعي الضرائب بسبب الإعفاءات الموسعة.
  • تخفيض معدلات الضريبة على أغلب القطاعات.
  • إلغاء ضرائب كانت تُحصَّل عبر اللجان التقليدية (مثل: الدخل المقطوع).
  • التدرّج في تطبيق أدوات التحصيل الإلكتروني، ما قد يُبقي على نسب تهرب مرتفعة مؤقتاً.

لكن يبدو أن الحكومة تراهن على أن هذه التغييرات ستقود لاحقاً إلى رفع كفاءة التحصيل، وزيادة الامتثال، وتوسيع القاعدة الضريبية، مما قد يعوّض الفاقد تدريجياً بدءاً من 2027.

هل سيؤدي ذلك إلى تخفيض الإنفاق العام؟

السيناريو المرجح كإجابة مختصرة عن التساؤل أعلاه هو: نعم، وبالحد الأدنى مؤقتاً.

ففي ظل انخفاض الإيرادات وعدم وجود مصادر تمويل بديلة كافية (كالنفط أو القروض والمشاريع الاستثمارية المنتجة)، فإن الدولة قد تضطر إلى:

  • تقليص الإنفاق على الدعم والخدمات العامة.
  • تأجيل مشاريع استثمارية أو تقليص الإنفاق الرأسمالي للدولة.
  • تخفيف دور الدولة المباشر في الاقتصاد.
  • وقد يؤدي هذا إلى تقليص إضافي لدور القطاع العام تدريجياً، سواء بدافع الإصلاح، أو كأمر واقع تفرضه الضغوط المالية، وتكريساً لسياسات الخصخصة، والسوق المفتوح الحر التنافسي.

ما الذي تراهن عليه الحكومة؟

رغم التراجع المتوقع في الإيرادات، ولو مؤقتاً، ربما تراهن الحكومة على تحقيق مكاسب لاحقة عبر:

  • محاربة التهرب الضريبي من خلال الفوترة الإلكترونية والربط المؤتمت.
  • تحسين الامتثال الطوعي نتيجة وضوح القوانين وخفض معدلات الاستنزاف.
  • تحفيز القطاع الخاص وجذب استثمارات جديدة.
  • خفض النفقات الإدارية عبر إلغاء اللجان التقليدية، وتحويل العمليات إلى النظام الرقمي.

ففي حال نجاح هذه الرهانات، من المتوقع أن تستقر الإيرادات الضريبية بحلول 2027، ثم قد تبدأ بالارتفاع في الأعوام التالية، ما قد يتيح للحكومة استعادة مساحة الإنفاق تدريجياً.

التحدي الحقيقي

لا يكمن التحدي في النص القانوني بحد ذاته كمشروع قيد الإنجاز، طبعاً بعد إدخال التعديلات الأساسية المطلوبة عليه، وخاصة الضريبة التصاعدية العادلة، بل في قدرة الدولة على التنفيذ النزيه والفعال، عبر:

  • بناء الثقة مع المواطنين والقطاع الخاص.
  • محاربة الفساد في الإدارة الضريبية.
  • الاستثمار الجاد في التحول الرقمي.
  • توجيه الموارد نحو الفئات الأشد حاجة.

فإذا تحققت هذه الشروط، فإن النظام الضريبي الجديد قد يتحول إلى رافعة مالية واقتصادية حقيقية، وليس مجرد تعديل شكلي.

أخيراً، تجدر الإشارة إلى أن إنجاز وإصدار قانون ضريبي جديد يحتاج إلى سلطة تشريعية مستقلة عن السلطة التنفيذية، ورقابة شعبية حقيقية تتمثل بها، وهو الأمر الغائب حتى تاريخه.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1235