باخرة زيت النخيل في مرفأ طرطوس... إنجاز اقتصادي أم تهديد غذائي؟
رست في مرفأ طرطوس في الآونة الأخيرة، أكبر باخرة تجارية منذ سنوات، محمّلة بـ 40 ألف طن من زيت النخيل.
وعلى الرغم من تصوير الحدث على أنه علامة على تعافي النشاط التجاري وفتح بوابات الاستيراد، إلا أن الخبر الذي بثته وسائل الإعلام أغفل نقطتين محوريتين: مصدر الشحنة والجهة المستوردة.
هذا الغموض، إلى جانب طبيعة المادة المستوردة، يثيران تساؤلات حقيقية حول وجهة هذه الكمية الضخمة واحتمالات استخدامها؟
شحنة ضخمة مقارنة بالاستهلاك المحلي
تشير التقديرات الصادرة عن منظمة الأغذية والزراعة (FAO) إلى أن متوسط الاستهلاك السنوي للزيوت النباتية في سورية، بما في ذلك زيت الزيتون، يتراوح بين 100 إلى 130 ألف طن.
وهذا يعني أن شحنة زيت النخيل الواصلة إلى مرفأ طرطوس تشكل ما يقارب 30–40% من إجمالي الاستهلاك السنوي، وهو ما يعتبر نسبة كبيرة تدعو إلى التساؤل:
هل ستُستخدم هذه الكمية لتغطية حاجة الصناعات الغذائية؟
أم ستتسلل إلى الأسواق على نحو غير شفاف؟
الاستخدامات المشروعة... والمريبة
زيت النخيل له استخدامات مشروعة في الصناعات الغذائية وغير الغذائية، مثل:
إنتاج السمن النباتي والمارغرين.
صناعة البسكويت، الشوكولاتة، المعجنات، والوجبات السريعة.
استخدامات غير غذائية في تصنيع الصابون والمنظفات.
لكن على الجانب الآخر، يُعد زيت النخيل أحد أكثر الزيوت استخداماً في الغش التجاري بسبب:
تكلفته المنخفضة مقارنة بزيوت مثل دوار الشمس والذرة.
سهولة تكريره وخلطه مع زيوت أخرى دون أن يُكشف بسهولة.
غياب أو ضعف آليات الرقابة على المواد الغذائية في السوق السورية.
أسعار الزيوت النباتية... الفارق المغري للغش
تُظهر أحدث الأسعار العالمية فروقات واضحة بين الزيوت النباتية الرئيسية؛ حيث يُتداول زيت النخيل بسعر يتراوح بين 900 و1,050 دولاراً للطن، يليه زيت الذرة بحوالي 1,100 إلى 1,300 دولار للطن، بينما يأتي زيت دوار الشمس في المرتبة الأعلى بسعر يتراوح بين 1,200 و1,470 دولاراً للطن.
تعكس هذه الفروقات السعرية تفاوتاً في تكاليف الإنتاج والطلب العالمي، إذ يتميز زيت النخيل بانخفاض تكلفته واعتماده في الوقود الحيوي، في حين يتأثر زيت الذرة بأسعار الذرة الصفراء، ويظل زيت دوار الشمس الأغلى بسبب محدودية إنتاجه وتقلبات التوريد في مناطق مثل أوكرانيا وأوروبا الشرقية، مما يعني أن زيت النخيل أرخص من بقية الزيوت بمقدار 200 إلى 500 دولار للطن.
ومع انخفاض أسعار الزيوت عالمياً بنسبة 3,7% في أيار 2025، فإن زيت النخيل بات الخيار الأرخص والأكثر إغراءً للتجار، سواء لاستخدامه في الصناعة أو لخلطه وبيعه على أنه زيت نباتي عالي الجودة.
المخاطر الصحية
يحتوي زيت النخيل على نسبة مرتفعة من الدهون المشبعة، ما يجعله مرتبطاً بارتفاع الكوليسترول الضار ومخاطر الإصابة بأمراض القلب والشرايين. كما أن تكريره في درجات حرارة عالية قد يُنتج مركبات ضارة مثل الجليسيدول، المصنّف من قبل الوكالة الدولية لبحوث السرطان كمادة محتملة التسرطن.
ومع الاستخدام المفرط أو غير المراقب، قد يؤدي إلى: اضطرابات في التمثيل الغذائي- مشاكل في الكبد- زيادة في معدلات السمنة.
غياب الشفافية يدق ناقوس الخطر
إن تجاهل ذكر مصدر الشحنة أو الجهة التي استوردتها في الخبر المتداول، يطرح شكوكاً حول الشفافية التجارية.
ففي وقت تعاني فيه الأسواق من فوضى الأسعار ونقص المراقبة، تبدو هذه الشحنة الكبيرة فرصةً ذهبية لتجار يسعون إلى تحقيق أرباح سريعة حتى على حساب صحة المواطن.
توصيات عاجلة
الإعلان الفوري عن الجهة المستوردة ومصدر الزيت.
تحديد الغرض من استيراد هذه الكمية الضخمة بدقة: صناعي أم استهلاكي؟
تفعيل الرقابة الصحية والجمركية على معامل تعبئة الزيوت.
تحليل دوري لعينات الزيوت المطروحة في الأسواق.
إطلاق حملة توعية للمستهلك حول الفروق بين الزيوت وجودتها.
ثغرة للتسلل لموائد السوريين
إن ما قد يُسوّق على أنه انتعاش اقتصادي، قد يكون في الحقيقة ثغرة صحية خطِرة، إذا لم يُحاط بالشفافية والرقابة.
فزيت النخيل الرخيص، إذا تسلل إلى موائد السوريين دون ضوابط، لن يُكلفهم أقل من صحتهم.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1230