رغيف الخبز المنهوب...

رغيف الخبز المنهوب...

لم يعد رغيف الخبز في سورية خطاً أحمر ولا حتى خطاً رمادياً. لقد سقطت الهيبة، وتآكلت السلطة، ولم يتبقَّ من «الدولة» سوى قشرة تتهاوى أمام طوابير الناس الجائعة. وحده النهب لم يسقط، ووحدهم الفاسدون ازدهروا فوق أنقاض الجوع العام.

في وضح النهار، وأمام الأفران، يُسرق المواطن دون حاجة لسلاح أو تهديد. السرقة كانت وما زالت علنية، ممنهجة، ومحمية بصمت السلطة ذاتها.

كيف يُنهب رغيفك كل يوم؟

الرواية الرسمية تقول إن ربطة الخبز يجب أن تزن 1100 غرام، وتضم 12 رغيفاً، بسعر مدعوم لا يتجاوز 4000 ليرة. لكن ما يصل إلى يد المواطن بالكاد يزن 900 غرام، وأحياناً أقل. (100 إلى 150) غراماً تُنهب من كل ربطة، دون أن يتحرك مسؤول، أو يُحاسب متورط.
قد يبدو الفرق بسيطاً، لكنه على مستوى الإنتاج اليومي لكل مخبز يتحوّل إلى عملية نهب ضخمة:
15,000 ربطة×150 غراماً =2,25 طن طحين يومياً تُختلس من مخبز واحد بورديتي عمل!
2,25 طن=2250 كغ×6000 ليرة (سعر كغ الطحين) =13,5 مليون ليرة تُسرق يومياً من قوت الناس!
هذه الأرقام ليست فرضيات. إنها حاصل الفارق بين المفترض والواقع، بين الرغيف الذي على الورق، والرغيف الذي في اليد. إنها معادلة النهب المستمرة والتي تتم تحت سمع وبصر من يُفترض بهم حمايتنا، فإذا بهم شركاء في التجويع.

قطر الرغيف ينكمش... مثل كرامتنا

الرغيف تقلص حتى صار أقرب إلى قطعة «خبز سكري»، هش، صغير، مشوّه، لا طعم، لا نضج، لا وزن. لكن الأسوأ من ذلك أنه لم يعد يحمل كرامة، فطوابير الذل فجة ووقحة بساعات انتظارها وتعبها. لقد تحوّل الرغيف إلى وثيقة إدانة مفتوحة ضد كل مسؤول تجاهل، وسكت، وساهم.
وفي الخلفية، تنتشر شبكات السوق السوداء كالسرطان، تلتهم الخبز قبل أن يصل إلى المواطن، وتعيد بيعه بضعفي سعره، إن لم يكن أكثر. في بعض المناطق، تجاوزت ربطة الخبز 10,000 ليرة، فيما لا تزال البيانات الرسمية تتحدث عن الدعم والعدالة الاجتماعية المتمثلة برغيف الخبز «المدعوم».

سقطت سلطة النظام... ولم يسقط النهب

الذي سقط، ربما، هو الخوف، الهيبة، وبعض الخطاب الرسمي. أما النهب، فقد بقي واقفاً، أقوى من أي وقت مضى. ما زالت المخابز «العامة» تخبز لصالح الخاصة، وما زال المواطن يُمنن بالدعم، بينما من يسرق الطحين يرفع رأسه ويتبجّح بسلطة النهب المستقوي بها.
لقد تحوّل الخبز إلى ملف فساد بامتياز، وجريمة يومية منظمة بمفرداتها وشبكاتها لا تحتاج إلا لميزان رقابة بسيط لكشفها. لكن الرقابة غائبة، والإعلام مُخرس، والمحاسبة جُرّدت من معناها.

ليس أزمة خبز

لم يعد الصمت حلاً، ولم يعد الحديث عن «أزمة» مقنعاً. ما يحدث ليس أزمة خبز، بل أزمة ضمير ابتلعته وأسكتته شبكات النهب، وفشلاً أخلاقياً شاملاً تعممه أقنية الفساد.
آن الأوان أن نكرر القول بوضوح: من يسرق الخبز يسرق الوطن. ومن يغض الطرف شريك في الجريمة.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1230