الطلب يتضاعف والإنتاج لا يكفي... هل نُعيد إعمار سورية بالإسمنت المستورد؟

الطلب يتضاعف والإنتاج لا يكفي... هل نُعيد إعمار سورية بالإسمنت المستورد؟

تشهد صناعة الإسمنت في سورية اليوم تحولات مفصلية، في وقت تتزايد فيه مؤشرات الترويج والتسويق الإعلامي للتحضير لمرحلة إعادة الإعمار، ويرتفع الطلب المحلي على هذه المادة الأساسية في البناء بشكل ملحوظ.

ففيما تواصل الحكومة مساعيها لتطوير المعامل ورفع الطاقة الإنتاجية، لا تزال الفجوة بين الإنتاج والطلب تدفع نحو استيراد كميات ضخمة من الإسمنت من دول الجوار، وعلى رأسها الأردن وتركيا.

استهلاك متسارع ومعامل جديدة قيد الإنجاز

مدير عام الشركة العامة لصناعة وتسويق الإسمنت ومواد البناء «عمران»، المهندس محمود فضلية، أكّد في تصريحات حديثة لموقع «الشرق»، أن استهلاك الإسمنت في سورية يشهد ارتفاعاً ملحوظاً مقارنة بالسنوات السابقة، ما يُعدّ مؤشراً أولياً على دخول البلاد في مرحلة تحضيرية لإعادة الإعمار.
وأوضح فضلية أن العمل جارٍ على إنجاز معامل جديدة لإنتاج الإسمنت، تجاوزت نسبة التنفيذ في بعضها 85%، إلى جانب الاستعداد لتشغيل مصنعين مرخّصين منذ سنوات في كل من ريف دمشق وريف حمص الشرقي. وبيّن أن ملكية هذه المشاريع تعود إلى شركات استثمارية خارجية، بقيمة تقارب 500 مليون دولار لكل معمل، وبطاقة إنتاجية تصل إلى 10 آلاف طن يومياً، ما يعادل 3,65 ملايين طن سنوياً للمعمل الواحد.

الفجوة بين الإنتاج والاحتياج... أرقام تكشف التحدي

تشير التقديرات إلى أن إنتاج سورية الحالي من الإسمنت (العام والخاص) يتراوح بين 2,5 إلى 3 ملايين طن سنوياً، بينما تُقدّر الحاجة الفعلية للبلاد خلال عام 2025 بنحو 8 ملايين طن سنوياً، وفق ما صرّح به فضلية. ومن المتوقع أن تتضاعف هذه الكمية لتصل إلى 15 مليون طن سنوياً بحلول عام 2035، انسجاماً مع خطط البناء والتطوير في مرحلة ما بعد الحرب.

استيراد الإسمنت... حل آنيّ أم عبء دائم؟

في ظل هذا العجز الإنتاجي، لجأت سورية إلى استيراد الإسمنت من الخارج، وبكميات متزايدة من مصدرين رئيسيين هما:
الأردن، حيث ارتفع عدد الشاحنات المحمّلة بالإسمنت والمتجهة من الأردن إلى سورية إلى 10,654 شاحنة مؤخراً، منها 1,700 شاحنة في يوم واحد فقط، ما يعكس حجم الطلب الكبير في السوق السورية، خاصة قبيل عطلة عيد الأضحى.
تركيا، والتي تُعدّ حالياً أكبر مصدّر للإسمنت إلى سورية، حيث تغطي قرابة 30% من احتياجات السوق، بمعدلات تصدير سنوية تتجاوز 1,5 مليون طن، وربما تصل إلى 3 ملايين طن في أوقات الذروة.
ورغم أهمية هذا الاستيراد في تلبية العجز، إلا أنه يرهق الميزان التجاري، ويُعرض السوق المحلية لتقلبات الأسعار العالمية وأزمات سلاسل التوريد.

تحديات التصنيع المحلي... معركة الطاقة والتكلفة

يبقى السؤال الأهم: لماذا لا تستطيع الصناعة المحلية تلبية الطلب؟
الإجابة تكمن في جملة من التحديات، أبرزها:
ارتفاع تكلفة مستلزمات الإنتاج، وعلى رأسها الطاقة الكهربائية والوقود الصناعي.
تقادم خطوط الإنتاج في المعامل القديمة، وصعوبة صيانتها بسبب الحصار والعقوبات.
ضعف البنية التحتية اللوجستية وتأخر توفير المواد الأولية وقطع الغيار.
غياب بيئة استثمار محفزة للقطاع الخاص والصناعيين المحليين.

الطريق إلى الحل... دعم الصناعة لا الاستيراد

في ضوء هذه المعطيات، يرى خبراء الصناعة والاقتصاد أن الأولوية اليوم يجب أن تتركز على الآتي:
إعادة تأهيل وتشغيل المعامل العامة المتوقفة جزءاً أو كلاً بدعم حكومي مباشر، أو بالشراكة مع القطاع الخاص ضمن ضوابط الحفاظ على الملكية والريع المجدي اقتصادياً.
تأمين الطاقة بأسعار صناعية مناسبة لمعامل الإسمنت (العامة والخاصة).
تشجيع الاستثمارات الخاصة الجديدة وتقديم حوافز ضريبية وجمركية.
اعتماد خطط وطنية تربط الإنتاج المحلي بمشاريع الإعمار الكبرى، لضمان تسويق المنتج المحلي واستقرار السوق.

الرهان الوطني

إن مستقبل صناعة الإسمنت في سورية لا يتوقف عند سد حاجة السوق من مادة استراتيجية فقط، بل يتعدى ذلك ليكون أحد محركات الاقتصاد الوطني في مرحلة ما بعد الحرب.
ومع اقتراب دخول المعامل الجديدة الخدمة وارتفاع وتيرة مشاريع البناء، تبدو الفرصة سانحة لتقليل الاعتماد على الخارج، وتحويل الإسمنت إلى عنصر قوة تنموية حقيقية.
فالرهان الوطني اليوم ليس على «الإعمار» فقط، بل على من سيُنتج مواد الإعمار في الداخل.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1230