تراجع عدد الأضاحي يخيّب آمال الفقراء
كان عيد الأضحى، تقليدياً، لحظة تنتظرها آلاف العائلات السورية الفقيرة، لا لأجل طقوس الذبح فقط، بل لأن قطعة من لحم الأضاحي كانت تصلهم لتكسر جفاف موائدهم.
أما هذا العام، فقد مرّ العيد دون أن يزور اللحم الكثير من البيوت، وسط تراجع غير مسبوق في عدد الأضاحي على امتداد البلاد.
أرقام مقلقة على مستوى وطني
بحسب تصريحات لرئيس لجنة تجار المواشي في دمشق وريفها، محمد شامان، فإن عدد الأضاحي التي تم ذبحها هذا العام في سورية تراوح بين 25 ألفاً و40 ألف رأس فقط. وهذا الرقم يعكس تدهوراً حاداً مقارنة بالأعوام الثلاثة الماضية.
ففي عام 2022، قُدّر عدد الأضاحي في سورية بنحو 500 ألف رأس. ثم انخفض في عام 2023 إلى 100 ألف رأس تقريباً، أي بتراجع بنسبة 80% خلال عام واحد فقط. وفي عام 2024، بقي العدد عند حدود مماثلة، دون أي تحسن. أما في عيد الأضحى لهذا العام 2025، فقد هبط الرقم إلى ما بين 25 و40 ألف رأس، في انخفاض إضافي حاد تجاوز 60% مقارنة بالعام السابق، وبلغ نحو 90% مقارنة بعام 2022.
هذا التراجع المتسارع يعكس خللاً عميقاً في القدرة الشرائية لدى السوريين، ويشير إلى حجم الأزمة الاقتصادية التي دفعت حتى الميسورين إلى العزوف عن أداء هذه الشعيرة.
تراجع الأسعار لم يُنعش السوق
رغم انخفاض سعر كيلو الغنم الحي هذا العيد إلى نحو 50–55 ألف ليرة سورية (مقارنة بـ 85 ألفاً العام الماضي)، فإن السوق بقي راكداً. سعر الخروف الواحد، الذي تراوح بين 2,5 و3 ملايين ليرة، لا يزال يفوق قدرة الغالبية الساحقة من الأسر السورية، التي بالكاد تستطيع تغطية حاجاتها الأساسية.
يقول أحد القصابين في ريف دمشق:
«الناس ما عاد تقدر تشتري حتى ربع خروف. في ناس بتجي بس تسأل الأسعار وبتمشي، كانوا يضحّوا بالسنة، واليوم ما معهم حق نص كيلو لحمة».
الفقراء بلا لحم... والعيد بلا فرحة
في المناطق الأكثر هشاشة اجتماعياً، حيث اللحم يؤكل مرة أو مرتين في العام فقط، مرّ العيد هذا العام كأنه يوم عادي. لم تصل الحصص، ولم تُطرق الأبواب. الأطفال الذين اعتادوا انتظار «القطعة بعظمها» من أحد الجيران أو الجمعيات، لم يجدوا شيئاً هذا العام سوى حسرة الأمهات واعتذارات الآباء.
تقول أم ناصر، وهي أرملة تسكن في أحد أحياء دمشق العشوائية:
«كنا ننتظر العيد، نعرف إنه في جمعيات توزع. بس السنة لا جمعية دقت بابنا، ولا سمعنا صوت تكبير وذبح. كأنه العيد مو هون».
الجمعيات الخيرية... بقدرة محدودة
حتى الجمعيات والمبادرات التي كانت تغطي جزءاً من النقص، تأثرت بشكل بالغ. فمع تقلص التبرعات والحوالات الخارجية، انخفضت أعداد الأضاحي التي توزع بشكل خيري. بعض الجمعيات اضطرت لإلغاء برنامج الأضاحي بالكامل، فيما قلّصت أخرى عدد المستفيدين بشكل كبير.
يقول أحد المشرفين في إحدى الجمعيات الخيرية بدمشق: «في سنوات سابقة كنا نوزّع 500 أضحية، هذا العام بالكاد ذبحنا 80». ويضيف: «التكلفة ارتفعت والداعمين قلّوا، والمحتاجين زادوا، فما عاد في توازن».
من شعيرة إلى امتياز طبقي
لم يعد مشهد الأضحية عامّاً كما كان، بل أصبح حكراً على القادرين فقط. ففي ظل انعدام الأمن الغذائي والبطالة وغلاء المعيشة، باتت الأضحية عبئاً مالياً ثقيلاً، لا شعيرة دينية متاحة للجميع. وهكذا، تحوّلت من رمز للتكافل والتقرب إلى الله، إلى امتياز طبقي يفتقده ملايين السوريين.
عيد بلا لحم... وجوعٌ مقيم
ما يحدث اليوم يتجاوز كونه أزمة اقتصادية مؤقتة؛ إنه تحوّل ثقافي واجتماعي، حيث يفقد عيد الأضحى مكانته في قلوب البسطاء، لأنه لم يعد يُطعمهم كما كان.
فبينما تراجعت الأضاحي بنسبة تقارب 90% خلال ثلاث سنوات فقط، تراجعت معها فرحة العيد، وتعمّق الإحساس بالفقد والحرمان.
إنه عيد بلا لحم، في بلدٍ كان للّحم فيه طعم العيد وكرامة الفقير.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1230