سماسرة اليوم ... ملوكٌ على سوق العقارات
فرح شرف فرح شرف

سماسرة اليوم ... ملوكٌ على سوق العقارات

تتوالى الأزمات والمصائب على السوريين في سلسلة باتت وكأنها لا تنتهي، وما أزمة الإسكان سوى حلقة تضغط على رقاب المواطنين وتستنزف معاشاتهم.
فمنذ سنوات طويلة والسوري يقاسي أزمة ارتفاع بدلات إيجارات المنازل، أو يعاني بالأحرى من استغلال سماسرة العقارات لأزمة البلاد ككل لتحقيق ربح سريع ومضمون.
واليوم ما زالت هذه الأزمة تفرض نفسها بقسوة، ولكن هذه المرة بالدولار!

انخفض الدولار وما في دولار!

لم يغيّر «انخفاض» سعر الدولار مقابل الليرة من واقع السمسرة بالعقارات، بل أصبح الحصول على منزل معضلة صعبة تحتاج إلى حسابات وميزانيات ومساعدات.
فمنزل صغير على أطراف دمشق وفي ريفها، بمواصفات قد تكون أقل من عادية، ويتمتع ربما بإطلالة على حاوية قمامة أو مجمّع للكلاب الشاردة، يتراوح إيجاره الشهري بين 150 إلى 200 دولار شهرياً (أي نحو 2 مليون ليرة).
فيما تتراوح الإيجارات في دمشق بين 300 إلى 800 دولار شهرياً في أحياء مثل الميدان والزاهرة، وصولاً إلى ما يتجاوز 4500 دولار في المناطق «الراقية»!

المكاتب العقارية وساطة مدروسة

لا تقتصر الشكوى على ارتفاع الإيجارات، بل تشكّل «عمولة» سماسرة العقارات عبئاً إضافياً، حيث يطلب السماسرة عمولة تعادل قيمة إيجار شهر كامل. وفي الكثير من الحالات يطالبون بدفع قيمة إيجار سنة كاملة مقدّماً! فيما تزيد هذه الممارسات غير المنضبطة والمتقلبة وفق أهواء وتقديرات المكاتب من معاناة المواطنين، خاصة في ظل محدودية الدخل وارتفاع تكاليف المعيشة.
من جهة أخرى، يبرر أصحاب المكاتب العقارية هذا الأمر بارتفاع التكاليف التشغيلية، وانخفاض العرض مقابل الطلب المتزايد.

العرض والطلب لا يفسّران الأزمة

يكشف الواقع المُعاش تناقضاً في تقديم الأزمة بوصفها عملية عرض وطلب فقط، فآلاف الوحدات السكنية الفارغة منتشرة في عموم دمشق وريفها؛ يسيطر عليها عدد محدود من الملاك والسماسرة، بينما تعاني الغالبية من انعدام توفر سكن ملائم لها.
وبذلك تحول السكن إلى سلعة استثمارية مرتفعة الربح، يُقاس فيها «العرض» بعدد الشقق والمنازل السكنية القادرة على تحقيق أعلى ربح؛ فالوحدات السكنية الفارغة مخصصة للاستثمار، ولم تعد «عرضاً» يسدّ حاجة في المجتمع، بل احتكاراً سلبياً يُحتفظ بها للتحكم باستمرار ارتفاع الأسعار.

بورصة خفيّة

من جملة ما يستغلّه السماسرة هو حاجة المواطنين الملحة للسكن، وحاجة المالك الذي يعيش من تأجير عقاره، فلا يقتصر دور السماسرة على الوساطة بينهما، بل هم فاعلون في تشكيل السوق والتحكم فيه.
فالسمسار يقوم بحجز عدد من الشقق السكنية دون نيّة حقيقية لإشغالها، متعمّداً إخفاء الوحدات المتاحة، أو عرضها بأسعار خيالية لخلق ندرة مصطنعة، وتحويل السكن من حق إلى «سلعة» مُتحكم بها، ما يتيح له الاستفادة من حالة «النقص» التي ساهم في خلقها داخل السوق، وبالتالي فرض المزيد من الشروط المجحفة على المستأجر، بل وعلى المالك في بعض الأحيان.
كما تشهد أغلب المناطق تنسيقاً بين المكاتب العقارية لفرض حد أدنى من العمولات والإيجارات، للحفاظ على الاحتكار وضمان تحقيق هوامش ربح عالية على حساب تآكل القوة الشرائية للمستأجرين، وبغض النظر عن مصلحة المالك.
فبعض الملاك أيضاً يتذمرون من ممارسات السماسرة، حيث تبقى بعض الشقق فارغة لعدة أشهر، تناسباً مع مصلحة السمسار وليس مع مصلحة المالك!

تعميق الآثار الاجتماعية والاقتصادية

لا تطال تبعات أزمة السكن الجانب المالي فقط، بل تمتد إلى الجانب الاجتماعي، فالكثير من الأسر باتت مضطرة للعيش في مساكن غير مناسبة وبعيدة عن أدنى الشروط الصحية، مع انخفاض بعوامل الأمان أيضاً، أو مشاركة سكنها مع عائلات أخرى وبهذه الشروط المجحفة نفسها وغير الإنسانية.
فالأزمة العقارية تمثّل انعكاساً لأزمة أعمق في ظل تفاقم غياب العدالة الاجتماعية، ولا يمكن تجاوزها من دون إرادة سياسية تعيد تنظيم وضبط السوق بما يضمن حقوق المواطنين، باعتبار السكن حقاً أساسياً، وليس سلعة خاضعة لمزاج السوق وأطماع السماسرة وتحكمهم.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1230