المشتى... حتى أشباح هذه المدينة غادرت!
جاء الثامن من الشهر الأخير للعام الماضي، محملاً بالنبأ الذي يحكي سقوط سلطة النظام أولاً، وبتوقعات الشعب الإيجابية لأيام قادمة لا تشبه ما سبقها ثانياً.
ومع مرور الوقت كان السؤال الرئيسي حول الإيجابية المتوقعة هو؛ هل هذا ما حدث خلال الأشهر الست المنصرمة؟
فإذا ما أمسكت المجهر السوري بيديك، ونزلت الآن مسلطاً إياه على واقع هذه البلاد، فسترى ما هي الفروقات التي حدثت، وما تلك التي قد تعشمنا بها دون أن تحدث!
إذاً ما علاقة «مشتى الحلو» بما سبق أعلاه؟
تعد بلدة مشتى الحلو، وعلى مدار العقود الماضية، من أهم المصايف والمناطق السياحية في عموم البلاد.
فتلك المدينة التابعة لطرطوس، والتي تقبع على بعد 65 كلم شرقها، لم توفر متراً واحداً منها إلا وكان جاذباً ومستقطباً لآلاف السياح (من الداخل والخارج) خلال العام (صيفاً وشتاءً)، وعليه اعتاد سكانها التعامل مع الأمر، حتى ألفوا السياق، فزادت منشآتها السياحية، وكثرت فيها المطاعم والمنتزهات، ورفدت الفنادق بالشقق السكنية التي تتيح للسائح القادم من خارجها خيار الاستئجار للإقامة، لتكون وفي مثل هذا الوقت من العام مملوءة ومفعمة بالحياة، حيث يعتمد الأهالي عليها بشكل رئيسي كمصدر عمل ومعيشة، وليعملوا كي يبقوا أحياء.
اليوم لا سائح فيها، ولا أحد!
بالتواصل مع مصادر مطلعة على واقع الحال من داخل المدنية، دار الحديث على التغييرات الجذرية التي طرأت خلال الأشهر الست الماضية.
فما بعد سقوط سلطة الأسد، وخلال ثلاثة الأشهر الأولى، كانت مصادرنا قد أكدت عن حالة الشلل التي أصابت جميع منشآت هذه البلدة، والتي لا تختلف عن تلك التي أصابت عموم البلاد، الأمر الذي أدى إلى انخفاض قياسي وصل إلى الـ90% في معدل إشغال الفنادق والمنشآت المختلفة، والذي قد دفع أصحاب هذه المنشآت، ومع التناقص المستمر في سعر الصرف، إلى تخفيض البدلات والعمولات المترتبة على الاستئجار.
فما كان يؤخذ خلال العام الماضي لقاء شقق مفروشة ومُخدمّة، تحتوي على الطاقة الشمسية وخلافها، بمليون إلى مليون ونصف الليرة، أصبح بإمكانك وخلال الأشهر الأخيرة استئجاره بخمسمئة ألف، ثابتاً عليها في فترة الأعياد، نزولاً إلى الثلاثمئة ألف خلال الأيام العادية، دون أي تغير يذكر في أسعار المواد الغذائية، ولكن هل هذا النزول، والذي قد قارب الـ50%، قد غير من واقع غياب الحياة عن هذه المدينة؟
فعلى الرغم من الانخفاض الحاد في أسعار بدلات استئجار الغرف، إلا أن واقع الحال في هذه المدينة لم يختلف، فما اعتادته من حجم السياح الداخل إليها لم يقارب الـ10% لهذا الموسم، وإذا ما تبحرنا أكثر في الأسباب، فستخبرك مصادرنا المطلعة عن أهمها، والتي لا يختلف عليها سوري يعيش في بيته، فكيف ذاك الذي يود أن يذهب كسائح من بلد مختلف!
فبعد فقدان الأمان، وخاصة بعد الأحداث المؤلمة، لا يزال السوري متوجساً من مغادرة منزله، فالاقتراب من بعض المناطق والطرقات غير آمن في أي لحظة، الأمر الذي لم تنفه مصادرنا باعتبار المشتى نفسها منطقة آمنة، إنما رأت أن قلة الأمان كلها تتجسد خارج المدينة؛ أي على الطرق الواصلة إليها.
فالسائح الذي كان يأتي سابقاً ليمضي النهار في المشتى ومن ثم يعود، لن يستطيع العودة الآن إذا ما تجاوزت الساعة السادسة مساءً، فلا طريقَ بقي، -على حسب قولهم- آمناً إذا ما غابت الشمس.
وعليه تتحقق المعادلة التي تقول: لا أمان يساوي لا حياة ولا حتى سياحة!
يضاف إلى ذلك عامل آخر لا يقل أهمية يتمثل بتراجع المستوى المعيشي والفقر المعمم الذي تكرس خلال السنوات الماضية، فالكثير من الشرائح الاجتماعية لم يعد بمقدورها تحمل تكاليف السياحة والتنزه كما كان عليه الحال حتى وقت قريب.
كل ذلك كانت نتائجه سلبية جداً على البلدة، وعلى مصدر الرزق فيها الذي تعتمد عليه غالبية الأسر بمعيشتها!
وهنا تأتي الأسئلة التي تبحث عن الإجابة:
هل الحل أن نطالب الحكومة بشمس تستمر إلى 24 ساعة لضمان أمان الطرقات بشكل نسبي، وليشعر المواطن داخل بلده بالأمان؟
أم نطالب الحكومة بتحسين المستوى المعيشي للسوريين كي يتمكنوا من التنزه في مواقع بلدهم السياحية، ولو لمرة في العام؟
أم بتحمل مسؤولياتها وواجباتها المفترضة على المستويات كافة، الاجتماعية والاقتصادية والمعيشية والخدمية والأمنية و...؟
بكل الاحوال يبدو أن على الحكومة البحث في حلول جذرية وسريعة، منعاً من تفاقم الأمور لما لا تحمد عقباه!
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1230