دوَّامة ُالعجز غير المُبرر..
باتَ واضحاً حتى لمن بصعبُ عليه الرؤية ما تعانيه مدينة دمشق عموماً وحي المزة بشكل خاص وبالتحديد المزة 86 من ضعف في الخدمات، فهو يعتبر من أكبر الأحياء العشوائية والمكتظة سكانياً ولا سيما في الآونة الأخيرة.
فمثلاً ظاهرة تراكم القمامة في شوارع الحي وأزقته الضيقة وبين الأبنية يشكل تحدياً كبيراً تجاوز فكرة التلوث البّصري فحسب، إلى قلق الأهالي وتخوفهم من الأثر الصحي والبيئي الخطير الذي سينتجُ عنها في حال تفاقُمها.
فهذه الظاهرة ليست حديثة الولادة في المدينة لكن زاد الحال سوءاً بعد سقوط سلطة النظام السابق، وتعددت الأسباب والذرائع أو العجز غير المبرر في هذا القطاع مما يتطلب تحركاً سريعاً وفعالاً لحلها.
تتعدد الأسباب والنتيجة واحدة
نقص في اليد العاملة إلى نقص في السيارات والآليات المخصصة لترحيل القمامة، بالإضافة إلى تهالكها وحاجتها للصيانة، قلة في معدات ومستلزمات الترحيل أيضاً، أي افتقار لكل أشكال الدعم اللازم مالياً وفنياً لتأدية المهام بشكل تام، بالإضافة إلى الذريعة الثابتة طوال السنوات الماضية حتى يومنا وهي عدم توفر المشتقات النفطية مما يضطر البلدية للاعتماد على سيارة أو سيارتين لترحيل القمامة من الحي كاملاً.
وهذا ما أكدّه أحد عمال النظافة المدعو «أبو محمد» (اسم مستعار) قائلاً: إنَّ عدد العمال انخفض بشكل كبير بعد سقوط سلطة النظام بسبب استقالة البعض وهي نسبة لا يستهانُ بها والعودة إلى مدنهم وبلداتهم، بالإضافة إلى نقص الآليات وتعرض قسم منها للسرقة ليلة السقوط وانتهاء عمر القسم الآخر.
كما أوضح أن ظاهرة تراكم القمامة منتشرة في كل أنحاء دمشق وريفها ولا يقتصر الأمر على حي المزة 86، لكن ما يزيد الأمر سوءاً في الحي اكتظاظه بالسكان بالإضافة إلى نقص الآليات، حيث يُعتمد أحياناً على سيارة واحدة لتسيير عملية الجمع والترحيل والتفريغ في المكبات المخصصة والعودة مرّة ثانية هكذا على مدار اليوم والحي كبير جداً ويحتاج التواجد فيه يومياً ولأكثر من مرة لترحيل القمامة منه.
تهديدٌ صحيٌّ وبيئيٌّ
أثبتت الدراسات والأبحاث أنَّ التأثير الخطِر لتراكم النفايات ليس على البيئة والمناخ والتربة والهواء فقط، إنما التأثير الأخطر على صحة الإنسان بشكل مباشر أو على المدى الطويل ويعدّ التهديد الأكبر، حيث أوضحت الدكتورة «حنين طاهر» (أخصائية جلدية) بعض هذه الآثار، قائلة:
إن النفايات المتراكمة توفر بيئة خصبة لنمو البكتيريا والجراثيم والفيروسات، مما يزيد من خطر انتشار الأمراض المعدية مثل التهاب الجهاز التنفسي، التهاب الأمعاء وغيرها
وأشارت إلى أن التعرض المباشر للنفايات فد يؤدي إلى التهابات جلدية وحساسيّة، بالإضافة إلى انتشار القوارض والحشرات كالذباب (الليشمانيا) والناموس ولا سيما مع غياب عمليات رش المبيدات.
علاوة على ذلك فإن تراكم النفايات إلى فترات طويلة يؤدي إلى تلوث البيئة والمياه مما قد يتسبب في تسرب المواد الكيمائية للمياه الجوفية أو التربة وما ينتج عنه من أمراض خطِرة.
يدٌ واحدةٌ لا تصفق
طرح الأسباب غير كاف والمشكلة تحتاج معالجة فعلية من الجهات المعنية في المحافظة والبلدية المسؤولة عن الحي، فلم يلمس السكان تحسناً ملحوظاً حتى يومنا هذا رغم تفاقم هذه الظاهرة في الأشهر الماضية.
(ايد لحالها ما بصفق) هذا ما أكده «ماهر سليمان» أحد ُأصحاب المحال التجارية في حي المزة 86 ومن سكانه، قائلاً: أملك محالاً تجارياً على الشارع العام في الحي وأمامه تتوضع حاويات القمامة مُشكلة تلالاً داخلها ومن حولها لعدم اتساعها لمئات من أكياس القمامة يومياً، مما لا شك فيه أن المسؤولية الأكبر على عاتق البلدية لحل المشكلة ولكن أيضاً على كل مواطن في الحي مسؤولية مجتمعية بأن يكون على قدر من الوعي برمي القمامة في مكانها المخصص، كذلك الالتزام بمواعيد رميها.
المواطن الخاسر الأكبر
يبقى التساؤلُ قائماً، إلى متى ستبقى هموم المواطن طي النسيان والإهمال؟
ومتى سيصبح توفير الخدمات العامة على أتم وجه وبأحسن صورة- وهي أبسطُ حقوق المواطن- على رأس أولويات الحكومة، في الوقت الذي تُصرف فيه مليارات الليرات على مشاريع أخرى كمشروع تجميل جبل قاسيون الذي يُعتبر ترفاً في مثل هذا الحال والبلاد تعيش أزمات وليس أزمة واحدة.
فالأزمة كالظل تمتد وتطول كلما تم الابتعاد عنها، وتصغر وتتقلص كلما بُذلت الجهود وتضافرت لحلّها بالتعاون ومشاركة الحكومة والمجتمعات المحلية، بخطط عاجلة لا تحمل لغة التأجيل أو التسويف بل تقدم حلولاً فورية وسريعة، فالأزمة تجرّ خلفها أزمات والمواطن هو الخاسر الأكبر والوحيد.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1229