أيها المواطنون الكرام... أتاكم الفرج!

أيها المواطنون الكرام... أتاكم الفرج!

في خطوة «جريئة» صدر قرار من وزارة الاقتصاد (والصناعة بالمعيّة) بالإيعاز بتخصيص نوافذ بيع للخبز لكل من النساء وكبار السن، والهدف «سرعة الحصول على الخبز دون عناء بما يضمن كرامة المواطن!»

فبينما كانت عقولنا البسيطة تفكر في حلول تقليدية بالية ومملة، مثل زيادة عدد المخابز، أو توفير الخبز بكميات أكبر، ونوعية أفضل، أو لا سمح الله معاقبة المحتكرين وقطع الطريق على شبكة توزيع الخبز الواصلة بين موظفي الأفران وبائعي البسطات. وفي زمن الازدحام الذي وصل ذروته، حيث صارت طوابير الخبز ساحة معركة حامية الوطيس، تتطاير الأكياس فيها وتتعالى الأصوات، ويتبادل المواطنون عبارات ونظرات «المحبة والتقدير»، بينما يبتسم الخبّاز ابتسامة الفاتح الظافر وهو يرى جيش المنهكين يتقدم نحوه ببطء شديد.

أتانا الفرج، جريئاً حاسماً عبر «نوافذ ذهبية خاصة» للنساء والشيوخ، عنوانه: «لا تحور ولا تدور وابعت ستك أو جدك عالطابور»!

كوميديا سوداء

إن هذا القرار ينم عن إدراك بأن الأزمة لا علاقة لها بقلة الخبز ووضع سقوف استهلاك له، أو بإنتاج القمح، ولا بكثرة الجائعين، بل هي ولا شك بقلة النوافذ!

وكأن الوقوف في الطابور– أي طابور كان، فالمواد وفيرة والسبيل واحد– هو رياضة أولمبية مخصصة لفئة معينة من المجتمع!
وأين وجه السرعة؟
هل سيسقط الخبز من السماء في أيدي النساء وكبار السن؟
هل ستُخترع آلة لنقلهم مباشرة إلى مقدمة الطابور؟
أم سيأخذون الخبز أولاً، بينما يتعلم الرجال والشباب فن الصبر أو الانقراض!

كرامة المواطن على نارٍ هادئة

إن الوقوف في الطابور لساعات هو بحد ذاته إهانة للكرامة، سواء كنت امرأة أو رجلاً، شاباً أو مسناً، فكرامة المواطن لا تُقاس بسرعة حصوله على الخبز.
فبدلاً من معالجة أصل المشكلة– نقص الإنتاج، سوء التوزيع، الاحتكار– نرى حلولاً «ترقيعية» تشبه وضع ضمادة على جرح غائر، وكأن الهدف هو إلباس الواقع القاسي ثوباً مزركشاً والسلام.
إنها لمن سخرية القدر أن تتناسب الكرامة طرداً مع سرعة الحصول على رغيف الخبز، كأن الكرامة أصبحت سلعة تُشترى بالوقت، أو تُمنح وفقاً للفئة العمرية والجنس!
فالمشكلة الحقيقية ليست في طول الطوابير، بل في أن الخبز نفسه صار «خبزاً سياسياً» يوزع بالوعود وينضج في أفران البيروقراطية، ونشتريه من نافذة مخصصة للكرامة، تتدفق عبرها الحلول على طبق من عجين غير مختمر.
الكرامة– معاليكم– ليست في شباك خاص، بل في العدالة والعيش الكريم، يستشعرها المواطن (أيّاً كان عمره أو جنسه) عبر تأمين الخبز بوفرة وبأسعار معقولة، من دون الحاجة إلى الوقوف في طوابير، هي لوحة متكاملة للذل والمهانة!

معلومات إضافية

العدد رقم:
1228