الكوليرا في سورية خطر صحي متصاعد ومسؤولية وطنية لم تُستكمل بعد

الكوليرا في سورية خطر صحي متصاعد ومسؤولية وطنية لم تُستكمل بعد

في ظل استمرار التحديات الإنسانية والبيئية التي تواجه سورية، أطلقت منظمة الصحة العالمية بتاريخ 12 أيار 2025 استجابة طارئة شاملة تمتد على مدار ستة أشهر لمكافحة تفشي الكوليرا في عدد من المحافظات السورية.

وتأتي هذه الخطوة في وقت تسجل فيه البلاد مؤشرات مقلقة على عودة انتشار المرض، خصوصاً في المناطق التي تعاني من هشاشة في البنية التحتية الصحية وخدمات المياه والصرف الصحي، وفي مقدمتها محافظات حلب، اللاذقية، الحسكة، ودمشق.

وبحسب البيانات الرسمية الصادرة عن المنظمة، تم الإبلاغ عن 1444 حالة كوليرا مشتبهة و7 وفيات في سورية بين شهري آب وكانون الأول 2024. وقد تم رصد أعلى معدلات الإصابة في مناطق مكتظة بالنازحين داخلياً، مثل مخيم الهول، مما يسلط الضوء على العلاقة المباشرة بين الكوليرا وظروف العيش غير الصحية الناتجة عن النزوح، وغياب البنى التحتية الأساسية.

جذور الأزمة أكثر من مجرد تفشي مرضي

يرتبط هذا التفشي بمجموعة من الأسباب المركّبة، على رأسها الجفاف المستمر، التغير المناخي، التحركات السكانية، والانقطاعات المتكررة في خدمات المياه والصرف الصحي. وتؤدي هذه العوامل مجتمعة إلى خلق بيئة خصبة لانتشار الكوليرا، التي تنتقل بسهولة عبر المياه الملوثة وتتفشى بسرعة في حال غياب أنظمة الإنذار والاستجابة الفورية.

ورغم استجابة منظمة الصحة العالمية من خلال تدخلات تشمل الكشف المبكر، إرسال فرق استجابة سريعة، دعم المخابر، مراقبة جودة المياه، توزيع أدوات تنقية المياه ومجموعات الفحص، وتكثيف التوعية المجتمعية، فإن هذه الإجراءات تظل مؤقتة ومحدودة بإمكانيات المانحين الدوليين وآليات التمويل الأممي.

الكوليرا ليست مجرد وباء… بل إنذار صحي شامل

إن الكوليرا، بحد ذاتها، ليست مجرد مرض معدٍ، بل تمثل مؤشراً خطِراً على هشاشة النظام الصحي والبنية التحتية العامة في البلاد. وفي حال لم يتم التعامل مع أسبابها الجذرية بطريقة شاملة، فإن احتمالات تفشيها مجدداً ستظل قائمة، لا بل مرجّحة، مع كل موسم حرّ أو أزمة نزوح.

ويُظهر هذا الواقع الحاجة الملحّة إلى خطة وطنية متكاملة تستهدف إصلاح بنية الصحة العامة، وتعزيز خدمات المياه، وتوفير حلول دائمة للصرف الصحي، خاصة في المخيمات والمجتمعات المهمّشة.

فالتعويل على تدخلات طارئة دون وجود استجابة وطنية ممنهجة يعكس خللاً في الرؤية ويزيد من هشاشة المجتمعات المعرضة للخطر.

لا بديل عن الدور السيادي في حماية الصحة العامة

في هذا السياق، فإن وزارة الصحة السورية، وسائر الهيئات الحكومية المعنية، مطالَبة بلعب دور أكثر فاعلية ومسؤولية في قيادة الجهود الوقائية والتدخل المبكر. ويجب أن يشمل هذا الدور:

  • تعزيز منظومة الإنذار المبكر والاستجابة السريعة (EWARS) لمراقبة الأوبئة.
  • إعادة تأهيل شبكات المياه والصرف الصحي في المناطق المتضررة.
  • رفع كفاءة الكوادر الصحية من خلال التدريبات المستمرة والدعم الميداني.
  • تفعيل خطط وطنية للطوارئ الصحية تُطبَّق فور ظهور أي بوادر تفشٍ جديد.
  • تعزيز الشراكة مع المجتمعات المحلية والمنظمات غير الحكومية لضمان إيصال الرسائل الصحية ومستلزمات الوقاية إلى الفئات الأكثر عرضة للخطر.

ومن المهم الإشارة إلى أن الاستجابة الدولية، رغم أهميتها، لا يمكن أن تُعوَّل عليها وحدها كخط دفاع أول. إذ إن استدامة الوقاية وفعالية المعالجة ترتبط أولاً وأخيراً بوجود إرادة سياسية ورؤية وطنية تضع الصحة العامة في مقدمة أولويات الدولة.

تحذير مبكر من أزمة أوسع

مع بداية ارتفاع درجات الحرارة، ودخول فصل الصيف، تتضاعف المخاوف من تسارع وتيرة انتشار الكوليرا، خاصة في المناطق التي تفتقر إلى البنية التحتية والرقابة الصحية. وفي حال غياب الاستجابة المسبقة والمعالجة الجذرية للأسباب البنيوية للأزمة، فقد نكون أمام كارثة صحية متفاقمة تهدد أرواح آلاف المدنيين، وتعيق جهود التعافي والتنمية على المدى الطويل.

جرس انذار

الكوليرا ليست مجرد أزمة صحية عابرة، بل جرس إنذار صارخ بضرورة بناء منظومة وقاية واستجابة صحية وطنية شاملة.

إن حماية السوريين من هذا الخطر– وغيره من الأمراض الوبائية– لا يمكن أن تستمر بجهود دولية محدودة وحدها. المطلوب اليوم تحرك حكومي وطني مسؤول، سريع وفعال، يعيد الاعتبار لمفهوم الصحة كحق أساسي غير قابل للتأجيل.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1228