العقد المزمع لتشغيل ميناء طرطوس بين الآمال والمخاوف
تتجه الأنظار في سورية إلى العقد المرتقب بين الحكومة السورية وشركة «موانئ دبي العالمية «(DP World) لاستثمار وتشغيل ميناء طرطوس، أحد أبرز الموانئ السورية على البحر المتوسط، بعقد تُقدر قيمته بنحو 800 مليون دولار.
وبينما يُنظر إلى هذا الاستثمار على أنه خطوة نحو إعادة إنعاش الاقتصاد السوري المتعثر، تبرز في المقابل مخاوف مشروعة تستند إلى تجارب سابقة أثارت جدلاً حول نوايا الشركة ونتائجها الفعلية.
أهمية ميناء طرطوس
يُعد ميناء طرطوس ثاني أكبر ميناء في سورية بعد اللاذقية، ويتميز بموقع استراتيجي يربط شرق المتوسط بالداخل السوري والشرق الأوسط عموماً. ويمكن للميناء أن يشكل شرياناً اقتصادياً حيوياً في مرحلة إعادة الإعمار مستقبلاً، مما يجعله موضع اهتمام محلّي ودولي، سواء لأسباب اقتصادية أو جيو استراتيجية.
إيجابيات محتملة للاستثمار الإماراتي
يمكن تلخيص الإيجابيات المحتملة بالنقاط الآتية:
- تطوير البنية التحتية، فمن المتوقع أن يشمل العقد تحديث الأرصفة، وتوسيع الميناء، وتحسين الخدمات اللوجستية، ما قد يعزز كفاءة التصدير والاستيراد.
- خلق فرص عمل، فالمشروع قد يوفر فرص عمل مباشرة وغير مباشرة في مدينة طرطوس والمناطق المحيطة.
- تحفيز الاستثمار الأجنبي، فالمشروع قد يكون بمثابة مؤشر على تحسن مناخ الاستثمار في سورية، ويشجع مستثمرين آخرين على الدخول.
- دعم فني وتشغيلي، فخبرة موانئ دبي العالمية في إدارة وتشغيل موانئ عالمية قد ترفع من المستوى التشغيلي للميناء.
لكن... ما الذي يدعو إلى القلق؟
رغم الإيجابيات المحتملة، فإن التجارب السابقة مع الشركة نفسها، كما في ميناء عدن اليمني، تسلط الضوء على عدد من المخاوف:
- تعطيل الميناء لصالح مصالح أخرى، فقد اتُّهمت موانئ دبي في اليمن بتقليص كفاءة ميناء عدن لصالح منافسة موانئ أخرى تديرها، خاصة ميناء جبل علي.
- ضعف الالتزام ببنود التطوير، حيث لم تلتزم الشركة في اليمن بخطط التطوير المعلنة، مما أدّى إلى تراجع كبير في عدد الحاويات والنشاط الاقتصادي.
- شبهات تضارب المصالح الجيوسياسية، فقد نُظر إلى بعض استثمارات الشركة على أنها لا تخلو من أهداف سياسية تتجاوز الجانب الاقتصادي.
- عدم الشفافية في العقود، فغياب رقابة حقيقية في اتفاق عدن سمح بتمرير بنود مجحفة بحق الدولة المضيفة.
كيف يمكن تلافي التجربة السلبية؟
لضمان ألّا يتحول استثمار موانئ دبي في طرطوس إلى «عدن ثانية»، يمكن اتباع عدد من الخطوات الاستباقية:
أولاً: إعداد عقد وطني واضح وملزم، مع تحديد جداول زمنية ملزمة للتطوير والتنفيذ،
وفرض شروط جزائية في حال الإخلال بالمواعيد أو بعدم تحقيق الأهداف الاقتصادية، بالإضافة إلى إلزام الشركة بتشغيل نسبة من العمالة المحلية وتدريبها.
ثانياً: ضمان السيادة السورية، بأن يحتفظ الجانب السوري بحق الرقابة والسيطرة على مفاصل القرار الاستراتيجي، وألّا يُمنح الامتياز للشركة الإماراتية بشكل حصري يمنع أي استثمار بديل في المستقبل.
ثالثاً: الشفافية والمحاسبة، من خلال نشر تفاصيل العقد للرأي العام وتعزيزه برقابة تمثيلية شعبية مستقلة، مع إشراك مؤسسات مدنية أو نقابية في متابعة الأداء.
رابعاً: الاستثمار الوطني البديل، ففي حال تبين أن الاستثمار الأجنبي لا يحقق المصلحة الوطنية، يجب التفكير بخيار استثمار حكومي مباشر، أو عبر شراكات مع دول أخرى.
النجاح يقاس بالمصالح الوطنية
إن إعادة تشغيل ميناء طرطوس وتطويره هو ضرورة اقتصادية لسورية، لكن النجاح في ذلك لا يُقاس بحجم الاستثمار أو اسم الشركة فقط، بل بمدى ملاءمة العقد للمصالح الوطنية، واستفادة الشعب السوري من هذا المورد الاستراتيجي.
فالتجارب السابقة تمنحنا دروساً قاسية، لكنها ثمينة، ويجب عدم تجاهلها.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1227