سورية أمام تحدّي الأمن الغذائي... أزمة قمح تتطلب استجابة وطنية شاملة

سورية أمام تحدّي الأمن الغذائي... أزمة قمح تتطلب استجابة وطنية شاملة

تعيش سورية اليوم واحدة من أخطر الأزمات المرتبطة بالأمن الغذائي، وسط مؤشرات مقلقة بشأن تراجع إنتاج القمح– المادة الأساسية في غذاء السوريين.

فقد أكد معاون وزير الزراعة، تمام الحمود، أن معظم مناطق زراعة القمح باتت خارج السيطرة، مما يجعل تقديرات الإنتاج غير دقيقة. وعلى الرغم من التقديرات التي تشير إلى إنتاج يتراوح بين 750 و800 ألف طن من القمح، إلا أن الكمية المتوقع استلامها من هذا المحصول لا تتجاوز 300 ألف طن، وهي لا تكفي لتلبية حاجات البلاد لأكثر من شهر ونصف فقط.

من جهته، حذر مدير عام مؤسسة إكثار البذار، عمار محمد، من أزمة محتملة بسبب الجفاف وقلة الأمطار، مشدداً على ضرورة دعم المزارعين وتشجيعهم لمواجهة هذه الظروف القاسية.

ليست مجرد أزمة إنتاج... بل أزمة أمن غذائي

ما تعانيه سورية اليوم لا يقتصر على تراجع في إنتاج القمح فقط، بل يعكس أزمة متكاملة تطال البنية الزراعية والاقتصادية والاجتماعية، بما يهدد الاستقرار الغذائي للسكان.
إن الاعتماد المتزايد على الاستيراد لتأمين مادة الخبز، في ظل الحصار والعقوبات وارتفاع الأسعار العالمية، يزيد من هشاشة الأمن الغذائي، ويؤثر بشكل مباشر على معيشة المواطنين، وخصوصاً الفئات الأكثر فقراً.

دور الدولة... من التحدي إلى الحل

أمام هذا الواقع، يبرز دور الدولة كفاعل رئيسي لا بديل عنه في إعادة ضبط المسار الزراعي وتحقيق الحد الأدنى من الاكتفاء الذاتي.

ويمكن تحديد أبرز مداخل هذا الدور الحيوي بما يلي:

  • تأمين البذار المحسّنة وتشجيع الزراعة التعاقدية، فلا يمكن لأي عملية زراعية أن تنجح دون توفر بذار عالية الجودة ومناسبة للظروف المناخية. ويجب على مؤسسات الدولة دعم مؤسسة إكثار البذار وتمكينها من إنتاج وتوزيع بذار معتمد بأسعار مدعومة، مع تسهيل إجراءات تسليم البذار للمزارعين.
  • تخفيض تكاليف مستلزمات الإنتاج، فالارتفاع الكبير في أسعار الأسمدة، والمبيدات، والوقود، وقطع الغيار الخاصة بالآلات الزراعية، بات عبئاً كبيراً على الفلاح، وذلك يتطلب تدخلاً حكومياً لتوفير هذه المستلزمات بأسعار مناسبة، إما من خلال الدعم المباشر أو عبر تدخل الدولة في الاستيراد والتوزيع.
  • دعم المزارع كركيزة للاستقرار الزراعي، لذلك يجب إعادة النظر بسياسات تسويق المحاصيل وخاصة القمح، عبر تسعير عادل يشجع الفلاح على تسليم إنتاجه لمراكز الدولة، ويوفر له هامش ربح يضمن استمراريته في الزراعة. كما ينبغي تفعيل صناديق دعم الفلاحين المتضررين من الكوارث الطبيعية والجفاف.
  • الاهتمام بالمشاريع المائية وترشيد الري، ففي ظل شح الأمطار والتغيرات المناخية، يغدو الاستثمار في مشاريع الري الحديثة والمستدامة ضرورة ملحة، يتعين بناء عليها العمل على إعادة تأهيل شبكات الري التقليدية- تشجيع استخدام أنظمة الري بالتنقيط والري الحديث- تنظيم استهلاك المياه الجوفية ومنع استنزافها- حصر استخدام المياه المتوفرة في الري فقط خلال مواسم الزراعة.

نحو سيادة غذائية حقيقية

إن الحفاظ على الأمن الغذائي في سورية يتطلب تحولاً استراتيجياً في السياسات الزراعية، وتعاوناً وثيقاً بين الدولة والمزارعين، ودعماً حقيقياً للقطاع الزراعي بمختلف مكوناته.
فالأمن الغذائي ليس ترفاً، بل هو أساس الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي والسياسي لأي دولة.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1227