قطاع الفوسفات... استثمار استراتيجي لمورد وطني
أعلنت الهيئة العامة للمنافذ البحرية والبرية بتاريخ 22/4/2025 عن باخرة تجارية أبحرت محملة بـ 10 آلاف طن من الفوسفات السوري الخام، لتكون أول شحنة تصديرية تغادر مرفأ طرطوس بعد سقوط سلطة النظام السابق.
وأوضحت الهيئة بأن هذه الخطوة تشكل بداية فعلية لاستعادة النشاط التجاري والبحري وواحدة من المؤشرات البارزة إلى دخول البلاد مرحلة اقتصادية جديدة. كما قالت إن هذا التحرك يعكس إعادة تشغيل واحدة من أبرز سلاسل التصدير المرتبطة بالثروات الباطنية في البلاد. ويمهد لمرحلة تفعيل قطاع الموارد الطبيعية في إطار خطط التعافي الاقتصادي.
ماذا يعني اعادة تنشيط قطاع الفوسفات؟
انخفض إنتاج سورية من الفوسفات خلال سنوات الحرب نحو 80% عن فترة ما قبل الحرب، حيث تراوحت كمية الإنتاج بسنوات 2005– 2010 بين 3,5 و5 ملايين طن، في حين أن الكمية المنتجة ضمن سنوات الحرب تراوحت بين 0,5 و1,5 مليون طن، وما يترتب على ذلك آثار اقتصادية واجتماعية كارثية على واقع هذا القطاع، سواء من ناحية الكميات المصدرة والعوائد الدولارية، أو من ناحية فقدان آلاف من العاملين لفرص عملهم المرتبطة بهذا القطاع.
وبالتالي فإن المؤشرات التي تدل على البدء بإعادة إقلاع قطاع الفوسفات وخاصة المتعلقة بتصدير أول شحنة كبرى بعد سقوط سلطة النظام السابق من شأنها أن تلقي الضوء على أهم المكاسب التي ستجنيها البلاد بانتعاش هذا القطاع.
ومن هذه المكاسب على سبيل المثال:
- توفير عائدات بالعملة الصعبة في ظل النقص الحاد في الدولار الذي تعاني منه البلاد، فمثلاً بلغت صادرات سورية من الفوسفات في العام 2010 نحو 2,5 مليون طن، وتتراوح قيمة الصادرات بين 375– 450 مليون دولار. علماً أن هذه القيمة انخفضت خلال سنوات الحرب نتيجة للعقوبات الاقتصادية أولاً، وتدمير البنى التحتية وتوقف المصانع ثانياً، حيث انخفضت قيمة الصادرات إلى نحو 0,4 مليون طن بقيمة تتراوح بين 30– 60 مليون دولار فقط.
- توفير فرص عمل إضافية في ظل مستويات بطالة مرتفعة نتيجة لتردي الأوضاع الاقتصادية خلال السنوات السابقة، خاصة وأن هذا القطاع قادر على استيعاب آلاف العمال سواء العمالة المباشرة في المناجم والتصنيع، أو العمالة غير المباشرة مثل النقل والخدمات وغيرها. علماً أن حجم العمالة الكلي في قطاع الفوسفات في سنة 2011 تراوح بين 15,000– 22,000 عامل.
ضرورة الخطة الاستراتيجية وتجارب بعض الدول
تحتل سورية المرتبة الخامسة عالمياً في احتياطيات الفوسفات بنحو 1,8 مليار طن، وهذا يشكل نقطة ارتكاز أساسية لوضع خطة وطنية واستراتيجية لا تشتمل زيادة معدلات الإنتاج وتصديرها كمواد خام فقط، بل استثمار الفوسفات في مختلف الصناعات أيضاً مثل: الأسمدة الفوسفاتية- الصناعات الكيميائية- صناعة الأعلاف الحيوانية- الصناعات المعدنية والتعدين- الصناعات الدوائية- صناعة المنظفات وغيرها.
وذلك بما يلبي احتياجات السوق المحلية من هذه الصناعات، وتصدير الفائض منها بعد سلسلة من القيم المضافة التي توفر نسب عائدية أعلى من تصدير المادة الخام.
ويمكن الاستفادة من تجارب بعض الدول العربية والعالمية التي تتمتع باحتياطيات عالية من الفوسفات، مثل:
- المغرب: بلغ إنتاجه في عام 2023 نحو 38 مليون طن، صدر منها نحو 40% كمواد خام، بينما استُثمر 60% في التصنيع المحلي، خصوصاً في صناعات الأسمدة والأعلاف الحيوانية.
- السعودية: بلغ إنتاجها في العام نفسه نحو 7 ملايين طن، استُخدم منها في التصنيع المحلي ما يزيد عن 70%، معظمها في الصناعات الكيميائية والأسمدة.
- أستراليا: بلغ إنتاجها نحو 3 ملايين طن، وزع بالتساوي تقريباً بين التصدير والتصنيع، وتركز الاستخدام المحلي في صناعة الأسمدة.
التحديات البيئية وأهمية الحوكمة
بالتوازي مع إعادة تشغيل القطاع، لا بد من الإشارة إلى التحديات البيئية التي قد تنشأ عن عمليات التنقيب والتصنيع مثل:
- التأثير على المياه الجوفية والتربة.
- انبعاث الغبار والملوثات.
- الحاجة لتطبيق معايير بيئية صارمة تحافظ على الموارد وتضمن استدامتها.
كما يبرز هنا الدور المحوري للحوكمة والشفافية، من خلال:
- ضمان رقابة حكومية فعالة على عقود الاستثمار والتشغيل.
- منع الاحتكار والسيطرة على المناجم.
- تنظيم الشراكات بين القطاعين العام والخاص بما يضمن مصلحة الدولة والعمال.
- التنمية البشرية وربط القطاع بالتعليم والتدريب
لضمان استمرارية النهوض بهذا القطاع، تبرز ضرورة دعم الكوادر البشرية عبر:
- تطوير البرامج التعليمية والتدريبية في مجالات الجيولوجيا والهندسة الكيميائية.
- تعزيز دور الجامعات والمعاهد التقنية لرفد القطاع بكفاءات مؤهلة.
الرؤية الشاملة وحسن الاستثمار
إن إعادة إقلاع قطاع الفوسفات السوري لا ينبغي أن يُنظر إليه كمجرد خطوة في إطار التصدير فحسب، بل هو بداية لمسار اقتصادي استراتيجي طويل الأمد، قادر على: خلق فرص عمل- دعم الاقتصاد الوطني- وتعزيز استقلالية القرار الاقتصادي، إذا ما أُحسن استثماره ضمن رؤية شاملة تقوم على (الإنتاج- التصنيع- الشفافية- والاستدامة البيئية)
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1224