الناموسيات المُبَطَّنة بالمبيدات... بين تفشي الليشمانيا وإغفال الحلول الجذرية
سلام السلمان سلام السلمان

الناموسيات المُبَطَّنة بالمبيدات... بين تفشي الليشمانيا وإغفال الحلول الجذرية

في سياق المساعي الرامية إلى الحد من انتشار داء الليشمانيا، قامت مديرية صحة حماة مؤخراً بتوزيع ناموسيات مشبعة بمبيدات حشرية على السكان العائدين إلى مدن حلفايا واللطامنة وكفرزيتا بريف حماة الشمالي.

وقد رافق عملية التوزيع جلسات توعوية حول المرض وسبل الوقاية منه، فيما أكد المسؤولون الصحيون على أهمية استخدام الناموسيات كإحدى الوسائل الأساسية للوقاية، خصوصاً في ظل الظروف المعيشية الصعبة التي يعيشها السكان.

الوباء الخفي... إحصائيات تنذر بكارثة

نظراً لعدم توفر إحصائيات رسمية دقيقة، ارتأينا استحضار بعض التصريحات التي نُشرت العام الماضي في أثر برس، تلفزيون سورية، ووكالة نورث برس:
نقل موقع «أثر برس» بتاريخ 20/4/2024 تصريحاً لرئيس مركز مكافحة الليشمانيا في مديرية صحة حماة، الدكتور باسل الإبراهيم، أفاد فيه بتسجيل 1503 إصابات جديدة خلال شهر آذار وحده، بينما بلغ مجموع الإصابات بالليشمانيا خلال الربع الأول من العام نحو 4500 حالة.
ونقلت نورث برس عن مسؤولة قسم الليشمانيا في المركز الطبي بعامودا، هيفين ميرزا، قولها: سجّل المركز خلال شهرين إصابة أكثر من 50 شخصاً بالمرض».
وكشف مدير مركز الرعاية الصحية في منبج، قصي الشحادة: «تم تسجيل أكثر من 9007 إصابات بالليشمانيا منذ مطلع عام 2024، علماً أن الإصابات المسجلة خلال عام 2023 بكامله بلغت 14600 إصابة، ونحن الآن في منتصف العام ويتوقع أن يتزايد العدد».
وبحسب منظمة «MENTOR Initiative» المتخصصة بمعالجة الليشمانيا، جرى تسجيل ما لا يقل عن 5500 إصابة، خلال شهر واحد، في مراكزها المنتشرة من جرابلس حتى جسر الشغور.

السياسات الرسمية... إسعافات عاجلة بدلاً من حلول مستدامة

إن التحدي لا يقتصر على نقص وسائل الوقاية الفردية، بل يتمثل في تدهور الواقع البيئي والصحي العام. حيث إن انتشار حظائر الماشية داخل الأحياء السكنية، وتراكم النفايات مع تأخر نقلها بشكل منتظم، وندرة حاويات القمامة في العديد من المناطق، وضعف بنية الصرف الصحي وانعدامها في معظم المناطق الريفية، جميعها عوامل محفزة لتفشي المرض. كما أن ندرة عمليات رش المبيدات في المناطق الأكثر عرضة للخطر تفاقم من حدة الأزمة.
في هذا الإطار، تظهر عملية توزيع الناموسيات- مع عدم التقليل من أهميتها- كحل ترقيعي لا يعالج الأسباب العميقة لانتشار الوباء.
فحث السكان على اتباع إجراءات وقائية في النظافة المنزلية والمحيطة واستخدام المبيدات الحشرية، والنوم تحت ناموسيات سليمة، رغم أهميته، يبقى غير كافٍ.
ويبقى السؤال المطروح: هل تكفي هذه الإجراءات الجزئية لمواجهة هذا الوباء؟ أم إننا بحاجة لإصلاح بيئي شامل؟
فما جدوى كل هذه المحاولات في ظل واقع صحي وخدمي منهار؟
وما نفعها إذا كانت القمامة مكدسة كالجبال في الشوارع وزوايا الأحياء وشبكات الصرف الصحي متهالكة ومكشوفة؟!
فالوقاية الفعالة تستلزم تحسين الظروف البيئية من خلال تطهير مقالب النفايات، وإخلاء القمامة بشكل منتظم، وإعادة تأهيل شبكات الصرف الصحي، بالإضافة إلى توفير مياه نظيفة وكافية، علاوة على تكثيف حملات رش المبيدات في المناطق الموبوءة.

المطلوب تدخل سريع وفعّال

الناموسيات المشبعة بالمبيدات حل أشبه «بإطفاء حريق بزجاجات ماء»، بينما تُغفل الجهات المعنية سبل المكافحة الأساسية، واستمرار هذا الوضع سيجعلنا نشهد سنوياً آلاف الضحايا من أهالي حماة، وغيرها من المحافظات السورية، المصابين بالليشمانيا وأمراض أخرى كالتهاب الكبد الوبائي، والتسمم والكوليرا...إلخ
التدخل السريع والفعّال قد يحدد مصير آلاف المواطنين المعرضين للإصابة بهذا المرض الذي يخلف آثاراً جسدية ونفسية عميقة.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1223