الأمن المجتمعي وضمان الاستقرار في سورية

الأمن المجتمعي وضمان الاستقرار في سورية

يمثل الأمن المجتمعي أحد أهم الركائز لضمان الاستقرار في أي دولة، حيث يرتبط بشكل مباشر بتوفير العدالة وضماناتها.

في الحالة السورية، التي لا تزال تشهد صراعاً معقداً وآثاراً ممتدة للحرب، تبرز الحاجة الملحة لمقاربة شاملة للعدالة، تأخذ بعين الاعتبار تطلعات المجتمع السوري وتحدياته الراهنة، خاصة على المستوى الاقتصادي والمعيشي.
كما أن الضغط من أجل عقد مؤتمر وطني عام يمثل خطوة ضرورية نحو تحقيق التوافق الوطني وإرساء أسس مستقبل مستقر.

مفهوم الأمن المجتمعي وعلاقته بالعدالة

يُعرف الأمن المجتمعي بأنه حالة الاستقرار والطمأنينة التي يشعر بها الأفراد في مجتمعهم، حيث يكونون محميين من التهديدات الداخلية والخارجية، ويضمن لهم القانون حقوقهم وحرياتهم.
يرتبط الأمن المجتمعي بمبدأ العدالة، والتي تُعد أساساً للحكم الرشيد وإعادة بناء الدولة بعد النزاعات، غير أن تطبيق العدالة في سورية يواجه عدة تحديات، خصوصاً مع وجود تصورات وممارسات مختلفة لها.

العدالة الانتقامية والعدالة الانتقائية في السياق السوري

العدالة الانتقامية تقوم على مبدأ العقاب الصارم دون مراعاة لمتطلبات المصالحة الوطنية أو إعادة بناء المجتمع، وغالباً ما تؤدي إلى مزيد من الانقسامات والتوترات، خاصة في المجتمعات الخارجة من النزاعات.
وفي سورية، هناك مخاوف مشروعة تثبتها بعض الممارسات من أن بعض الأطراف تلجأ إلى هذا النوع من العدالة المشوهة، مما يعمق الشرخ بين مكونات المجتمع.
أما العدالة الانتقائية فتعني تطبيق العدالة على فئة دون أخرى، أو محاسبة بعض الأفراد بينما يُترك آخرون دون مساءلة، وغالباً ما تستخدم كأداة سياسية لتصفية الخصوم، مما يؤدي إلى غياب الثقة في مؤسسات الدولة والقضاء.
وفي سورية، هناك مخاوف ودلائل من أن بعض الممارسات تحت عنوان العدالة فيها انتقائية، ما يفاقم حالة الاحتقان الاجتماعي والسياسي.

العدالة الانتقالية حلٌّ لتحقيق الأمن والاستقرار

على النقيض من العدالة الانتقامية أو الانتقائية، تبرُز العدالة الانتقالية حلاً عملياً لتحقيق المصالحة الوطنية وضمان الاستقرار.
وتشمل العدالة الانتقالية باختصار ما يلي:
المحاسبة والمساءلة عن الجرائم المرتكبة خلال النزاع، ولكن ضمن إطار قانوني يحفظ حقوق الجميع.
التعويض وجبر الضرر للضحايا وعائلاتهم، سواء مادياً أو معنوياً.
إصلاح المؤسسات بما يضمن عدم تكرار الانتهاكات مستقبلاً.
المصالحة الوطنية، لكونها أحد أهم جوانب الانتقال السلمي، حيث يتم التركيز على التعايش السلمي بين مختلف مكونات المجتمع السوري.
وبكل اختصار وبعيداً عن الخوض في الكثير من التفاصيل يمكن أن تكون العدالة الانتقالية أساساً مهماً لتحقيق الأمن المجتمعي في سورية، شرط أن يتم تنفيذها بشكل عادل وغير منحاز، وأن تشمل جميع الأطراف دون استثناء.

المؤتمر الوطني العام والاستقرار

في ظل الوضع السوري الحالي، تبرز الحاجة إلى مؤتمر وطني عام يشمل جميع الأطراف السورية، المجتمعية والسياسية دون استثناء أو اقصاء، بهدف:
إيجاد توافق وطني حول مستقبل البلاد، يضمن حقوق السوريين بجميع مكوناتهم السياسية والمجتمعية.
الاتفاق على آليات العدالة الانتقالية والتعامل مع إرث الصراع بطريقة تضمن المصالحة الوطنية واستدامتها.
وضع سياسات اقتصادية واضحة لمعالجة التحديات المعيشية التي يعاني منها السوريون.

البعد الاقتصادي وأثره على الأمن المجتمعي

لا يمكن تحقيق الأمن والاستقرار في سورية دون معالجة التحديات الاقتصادية التي تثقل كاهل المواطنين.
ومن أبرز المشكلات الاقتصادية التي تؤثر على الاستقرار ما يلي:
تذبذب قيمة الليرة السورية ومتغيرات سعر الصرف وتأثيره على الأسعار بشكل كبير.
نقص الموارد ومحدودية فرص العمل، مما يدفع الكثير من الشباب إلى الهجرة أو الانخراط في أنشطة غير مشروعة.
ضعف البنية التحتية والخدمات الأساسية، مثل الكهرباء والمياه والصحة والتعليم.
استمرار هيمنة اقتصاد الحرب والسوق غير الموحدة، مما يمنع تحقيق تنمية حقيقية ومستدامة.
بالتالي، فإن أي عملية سياسية في سورية يجب أن تترافق مع خطط اقتصادية شاملة، تركز على:
إعادة الإعمار بطريقة عادلة تشمل جميع المناطق المتضررة.
خلق فرص عمل عبر تشجيع الاستثمار وتحفيز القطاع الخاص.
تحقيق الاستقرار النقدي وضبط الأسواق لمنع ارتفاع الأسعار.
إصلاح مؤسسات الدولة لمكافحة الفساد وضمان عدالة توزيع الموارد.

المؤتمر الوطني العام هو الفرصة الحقيقية والوحيدة

في ظل المشهد السوري المعقد، يمثل تحقيق الأمن المجتمعي والاستقرار تحدياً كبيراً لا يمكن تجاوزه إلا من خلال مقاربة شاملة تأخذ بعين الاعتبار الأبعاد السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وتعد العدالة الانتقالية الخيار الأمثل لضمان عدم تكرار أخطاء الماضي، في حين أن المؤتمر الوطني العام هو الفرصة الحقيقية والوحيدة لتوحيد الرؤى ووضع حلول واقعية لمشكلات السوريين وأزماتهم كلها.
وأخيراً نعيد التأكيد أنه لا يمكن تحقيق أي استقرار دون معالجة الأوضاع الاقتصادية والمعيشية، إذ إن تحسين الظروف الحياتية للسوريين يعد أساساً لأي عملية سلام مستدامة.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1217