سياسة التضييق على أطباء الدراسات العليا في مشفى الأطفال

سياسة التضييق على أطباء الدراسات العليا في مشفى الأطفال

في خطوة تعكس تدهور واقع الأطباء المقيمين وأطباء الدراسات العليا، أصدرت إدارة مشفى الأطفال الجامعي بدمشق قرارات مجحفة تزيد من معاناة الأطباء المقيمين، من بينها إلغاء الرواتب إلى أجل غير مسمى، إيقاف الإطعام بعد شهر رمضان، فرض مناوبات شاقة تصل إلى 36 ساعة دون استراحة، وتقليص عدد الأطباء المطلوبين للمشفى إلى 20 طبيباً فقط، مع حرمانهم من الدعم التمريضي والأدوات الطبية الأساسية.

والأسوأ من ذلك، جاء تصريح أحد المشرفين بأن راتب طبيب الدراسات العليا هو «مكرمة وليس حقاً»، في إهانة واضحة لمهنة الطب وأهلها.
هذه القرارات القاسية تعكس رسالة واضحة من إدارة المشفى بأن الأطباء المقيمين وأطباء الدراسات هم مجرد أدوات للعمل لا حقوق لهم، وعليهم القبول بالاستغلال دون اعتراض!
ومن المفروغ منه أن هذا التوجه لا يمس فقط الأطباء، بل يمتد أثره السلبي ليشمل الأطفال المرضى، والقطاع الصحي بأكمله.

الآثار السلبية لهذه السياسات

إن إجبار الأطباء على العمل 36 ساعة متواصلة دون راحة هو استنزاف جسدي ونفسي سيؤدي إلى إرهاق شديد، مما يزيد من احتمالية ارتكاب الأخطاء الطبية، بما فيها القاتلة.
وكذلك فإن قلة الأطباء المتاحين، وعدم وجود طاقم تمريضي داعم، سيؤدي إلى تراجع جودة التعلم السريري والتدريب الطبي، مما يؤدي إلى تخرج أطباء غير مؤهلين بشكل كافٍ.
وهذه القرارات ستدفع الأطباء الشباب إلى البحث عن فرص عمل في الخارج، مما يؤدي إلى نزيف مستمر في الكوادر الطبية، وعندما يتم التعامل مع الأطباء بهذه الطريقة المهينة، سيزداد الإحباط وتتراجع الثقة بالمؤسسات الصحية، مما يدفع البعض إلى ترك المهنة تماماً.

الآثار الكارثية على الأطفال المرضى

الطبيب الذي يفرض عليه العمل لمدة 36 ساعة دون راحة سيكون معرض لارتكاب الأخطاء، كما أوردنا سابقاً، وضحايا هذه الأخطاء هم الأطفال المرضى بكل أسف.
كذلك فإن قلة عدد الأطباء تعني تراجع مستوى الرعاية الصحية وأن الأطفال لن يحصلوا على الرعاية الكافية، مما يؤدي إلى مضاعفات صحية وتأخير في العلاج.
ومع تناقص عدد الأطباء ستتفاقم أزمة الرعاية الصحية أكثر، وكل ما سبق ينذر بكارثة صحية سيدفع ضريبتها المرضى الأطفال.

انهيار المنظومة الصحية على المدى البعيد

عندما يكون التدريب الطبي في بيئة قاسية وغير مهنية، سينعكس ذلك على جودة وجدوى العملية التعليمية والتدريبية للأطباء الذين سيتخرجون لاحقاً، مما يضعف النظام الصحي بأكمله لاحقاً.
وعندما يتم التعامل مع الأطباء كموارد يمكن استغلالها بلا حساب، فإن ذلك يفتح الباب أمام المزيد من الفساد والمحسوبية في قطاع الصحة.
ومع تدهور بيئة التدريب والعمل، سيزداد عدد الأطباء الذين يفضلون الهجرة، مما يجعل البلاد تعتمد على كوادر طبية أقل كفاءة، أو حتى على أطباء أجانب.

الحق والكرامة للطبيب والمريض

هذه القرارات ليست مجرد إجراءات إدارية، بل هي ضرب مباشر لصحة المرضى وكرامة الأطباء. وإذا استمرت هذه السياسات، فإننا أمام انهيار محتوم في جودة الخدمات الصحية، وهروب جماعي للكفاءات الطبية المتبقية، وتدهور في مستوى الرعاية المقدمة للأطفال المرضى.
والمطلوب ليس إنهاء مثل هذه التوجهات والسياسات فقط، بل الإصلاح الجذري للسياسات التعليمية والصحية الذي يعيد للطبيب حقه في العمل بكرامة، وللمرضى حقهم في رعاية صحية آمنة وعالية الجودة.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1217