جامعة حلب وتراجع أعداد أعضاء الهيئة التدريسية.. أزمة في التعليم العالي
يبدو أن جامعة حلب، كسائر الجامعات السورية، تدفع ثمن سنوات من التراجع والإهمال، مما يهدد مستقبل الأجيال القادمة.
ففي خطوة تعكس عمق الأزمة التي تعيشها جامعة حلب، أعلنت الجامعة عن حاجتها إلى محاضرين من حملة الإجازات الجامعية والمعاهد المتوسطة للتدريس في كلياتها ومعاهدها خلال الفصل الثاني من العام الدراسي 2024-2025.
هذا الإعلان، رغم أنه يبدو في ظاهره إجراءً روتينياً، يكشف عن تراجع خطير في أعداد أعضاء الهيئة التدريسية في واحدة من أعرق الجامعات السورية، ما يدفع إلى التساؤل عن الأسباب الكامنة وراء ذلك، وتأثيراته على جودة العملية التعليمية؟!
تعيين حملة الإجازة الجامعية: مخالفة أم ضرورة؟
لطالما كانت الجامعات السورية تعتمد على حملة الدكتوراه والماجستير في التدريس، مع منح فرصة محدودة لحملة الإجازة الجامعية لتغطية بعض المواد العملية أو الإشراف على الجوانب التطبيقية في بعض الكليات.
لكن أن تتحول هذه الفئة إلى عنصر أساسي في التدريس، فذلك مؤشر خطير على حجم النقص في الكادر الأكاديمي المؤهل.
فالمعايير الأكاديمية العالمية تقتضي أن يكون التدريس الجامعي قائماً على أساتذة مؤهلين علمياً وبحثياً، لا على خريجين حديثين لم يمض على تخرجهم سوى عامين دراسيين.
لا شك أن هذا القرار، وإن كان يهدف إلى سد العجز الحاصل، يحمل في طياته مخالفة للمعايير الأكاديمية التي تتطلب وجود أساتذة من حملة المؤهلات العليا لضمان تقديم تعليم جامعي رصين.
كما أن الاعتماد على محاضرين ذوي خبرة محدودة قد يؤدي إلى تراجع جودة التعليم، وإضعاف قدرة الطلبة على اكتساب المهارات العلمية والبحثية اللازمة لمتابعة دراستهم أو دخول سوق العمل بكفاءة.
تداعيات التراجع في أعداد أعضاء الهيئة التدريسية
إن غياب العدد الكافي من أعضاء الهيئة التدريسية المؤهلين يترك آثاراً سلبية واضحة على مستوى التعليم الجامعي، منها:
ارتفاع أعداد الطلاب في الشعب الدراسية مما يقلل من فرص التفاعل بين الطلبة والأساتذة ويضعف العملية التعليمية.
ضعف جودة المقررات الدراسية إذ يعتمد التعليم الجامعي على البحث العلمي والتحليل العميق، وهو ما يتطلب أساتذة لديهم خبرة أكاديمية واسعة، وليس مجرد خريجين حديثين.
تراجع تصنيف الجامعة، فالجامعات تقاس بجودة أساتذتها وأبحاثها، وأي تراجع في الكادر التدريسي يؤثر على تصنيفها إقليمياً ودولياً.
هجرة الطلاب نحو الجامعات الخاصة أو الخارجية نتيجة لانخفاض مستوى التعليم، ما يفاقم أزمة الجامعات الحكومية.
هل الأزمة بسبب نقص الكفاءات أم تدني الأجور؟
يبقى التساؤل الأهم: هل تعاني سورية بالفعل من نقص في حملة الدكتوراه والماجستير؟ أم إن السبب الحقيقي وراء العجز هو تدني الأجور والتعويضات، مما دفع الأكاديميين إلى البحث عن فرص أفضل في الجامعات الخاصة أو خارج البلاد؟
لا شك أن هجرة العقول من أبرز التحديات التي تواجه قطاع التعليم العالي في سورية، حيث دفعت الأوضاع الاقتصادية المتدهورة وضعف الرواتب وعدم توفير بيئة بحثية محفزة، بالكثير من الكفاءات إلى مغادرة البلاد نحو جامعات عربية وأجنبية تقدم مزايا مالية وعلمية أفضل.
فالرواتب الحالية لأعضاء الهيئة التدريسية لا تكفي حتى لتغطية احتياجاتهم الأساسية، ناهيك عن غياب الحوافز التي تشجع على الاستمرار في العمل الأكاديمي داخل البلاد.
نحو حل جذري للأزمة
إن معالجة هذا التراجع تتطلب إعادة النظر في سياسات التعليم العالي، من خلال:
تحسين الأجور والتعويضات لاستقطاب الكفاءات الوطنية وعدم فقدانها لصالح الجامعات الخارجية.
وضع خطط لإعادة تأهيل الكوادر التدريسية من خلال منح دراسية ودورات تدريبية ترفع من كفاءتهم.
تطبيق معايير صارمة في اختيار المحاضرين لضمان جودة التعليم وعدم اللجوء إلى حلول إسعافية وترقيعية تضر بالعملية التعليمية على المدى البعيد.
فهل سيتم اتخاذ إجراءات حقيقية لإنقاذ التعليم الجامعي، أم إن هذه الأزمة ستستمر حتى يفقد النظام التعليمي الحكومي آخر ما تبقى له من سمعة أكاديمية؟
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1216