السلطة القضائية دعامة العدالة وصمام الأمان في الدولة الحديثة
كثر الحديث مؤخراً عن السلطة القضائية والجسم القضائي بعد انهيار السلطة الساقطة، والتغييرات التي طالت الجسم القضائي بنتيجة تداعيات هذا الانهيار والسقوط، ودور حكومة تسيير الأعمال وممارساتها تجاه السلطة القضائية، والآراء المتباينة من قبل أصحاب الاختصاص حول هذا الدور.
وما يجب التأكيد عليه بهذا الشأن أن السلطة القضائية تُعد ركيزة أساسية في بناء دولة القانون والمؤسسات، فهي الضامن لتحقيق العدالة وحماية الحقوق وصون الحريات، فالدول الحديثة تعتمد على قضاء مستقل وفعال لضمان عدم تغول أي سلطة على أخرى، ومنع الاستبداد والفساد، كما أن وجود جهاز قضائي كفؤ ونزيه هو المعيار الحقيقي لمدى التزام الدولة بمبادئ العدالة وسيادة القانون.
استقلال القضاء وفصل السلطات
لا يمكن تحقيق العدالة في أي دولة دون استقلال القضاء عن السلطة التنفيذية، بحيث لا يخضع القضاة لأي تأثيرات سياسية أو أمنية أو اقتصادية أو غيرها.
ويتحقق هذا الاستقلال بحالتنا السورية من خلال الفصل التام بين السلطة التنفيذية ووزارة العدل من جهة، ومجلس القضاء الأعلى من جهة أخرى.
فوزارة العدل كجهة حكومية تنفيذية تتولى إدارة شؤون المحاكم إدارياً ومالياً، إضافة إلى الإشراف على السجون والمرافق العدلية، لكنها ليست صاحبة قرار في تعيين القضاة أو التدخل في أحكامهم.
أما مجلس القضاء الأعلى فهو الجهة القضائية العليا المستقلة، والمسؤولة عن شؤون القضاة، من تعيينهم وترقيتهم إلى مساءلتهم وضمان استقلالهم.
ويجب أن يكون هذا المجلس بعيداً عن أي تأثير سياسي أو حكومي، لضمان نزاهة الأحكام القضائية وعدم خضوعها لأي ضغوط، وهو ما يجب أن تتركز عليه النقاشات عبر الحوار الوطني المزمع، وخاصة ما يتعلق بهذا المجلس وكيفية تشكيله، كي يحظى بالاستقلالية الناجزة عن السلطة التنفيذية بمستوياتها كافة.
وبهذا الصدد تجدر الإشارة إلى أنه عندما يكون القضاء مستقلاً ونزيهاً وفعالاً، يطمئن المواطنون إلى أن حقوقهم مصونة، مما يعزز الثقة بالمؤسسات الوطنية، ويعزز الاستقرار المجتمعي والسياسي.
كذلك فإن الاستثمار والتقدم الاقتصادي يعتمدان على وجود قضاء مستقل وكفؤ يحمي العقود والمعاملات التجارية، ويضمن تنفيذ القوانين بشكل عادل، وهو ما يضمن تحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة.
أهمية تعيين قضاة مؤهلين وفق معايير صارمة
يُعد تعيين القضاة من أهم الخطوات التي تضمن نزاهة القضاء وكفاءته، لذلك يجب أن يتم وفق معايير واضحة وصارمة، أهمها:
المؤهل العلمي والتدريب القضائي، حيث يجب أن يكون القضاة من خريجي كلية الحقوق، ثم يتابعون دراستهم في المعهد العالي للقضاء، حيث يخضعون لتدريب عملي ونظري مكثف يؤهلهم لممارسة الوظيفة القضائية بكفاءة.
الخضوع لمسابقة تعيين القضاة ليتم اختيار القضاة من خلال مسابقة شفافة تعتمد على الجدارة والكفاءة، لضمان أن من يتولى القضاء هم الأكفأ والأكثر تأهيلاً.
النزاهة والسمعة الحسنة، فيجب عدم الاكتفاء بأن يكون القاضي مؤهلاً علمياً، بل يجب أن يكون مشهوداً له بالنزاهة والاستقامة، وخالياً من أي سجل فساد أو سلوكيات غير أخلاقية.
الحياد والاستقلالية، فالقاضي يجب أن يكون مستقلاً في قراراته، لا يخضع لأي ولاءات سياسية أو دينية أو طائفية أو اقتصادية، وبحيث يكون حكمه مستنداً إلى القانون فقط.
مع الأخذ بعين الاعتبار أن القاضي الجيد بالمحك العملي لا ينظر إلى النصوص فقط، بل يفهم السياق الاجتماعي والاقتصادي والسياسي للقضايا المعروضة أمامه، ويوازن بين القانون وروح العدالة، وهو ما يعني القدرة على اتخاذ القرارات بحكمة.
مخاطر تسييس القضاء أو تهميشه
إن تدخل السلطة التنفيذية أو الجهات الأمنية أو غيرها في عمل القضاء، أو فرض قيادات قضائية غير مؤهلة، يؤدي إلى انهيار منظومة العدالة، مما يفتح الباب أمام الفوضى والظلم.
كما أن تعطيل المحاكم أو استبدالها بكيانات غير قانونية مثل «لجان فض النزاعات» يهدد حقوق المواطنين، خاصة الفئات الضعيفة، ويجعل العدالة رهينة لأهواء القوى المتنفذة.
الإصلاح القضائي ضرورة ملحة
لإعادة الثقة بالمؤسسة القضائية، يجب العمل على:
تفعيل استقلال القضاء عبر إصلاح القوانين التي فسحت المجال للسلطة التنفيذية بالتدخل في شؤون القضاء.
إعادة هيكلة الجهاز القضائي من خلال تعيين القضاة وفق معايير الكفاءة والخبرة، وليس وفق الولاءات السياسية أو الدينية أو غيرها.
محاربة الفساد داخل القضاء من خلال آليات رقابية صارمة، وفرض عقوبات على القضاة والمسؤولين المتورطين في الفساد.
تحديث القوانين والإجراءات القضائية لتسريع البت في القضايا وتحقيق العدالة الناجزة.
الاستفادة من التكنولوجيا في تطوير المحاكم الإلكترونية، لتسهيل الإجراءات وتقليل فرص الفساد والبيروقراطية.
السلطة القضائية حجر أساس
السلطة القضائية هي حجر الأساس لأي دولة تسعى إلى العدالة والاستقرار، واستقلال القضاء هو الضامن لحقوق الأفراد والجماعات، ومن دونه تصبح الدولة عرضة للاستبداد والفساد.
بالمقابل لا يمكن تحقيق العدالة إلا بوجود قضاة أكفاء، يتم تعيينهم وفق معايير شفافة، بعيداً عن أي تدخلات سياسية أو مصالح فئوية.
فإذا صلح القضاء صلحت الدولة، وإذا فسد، انهار كل شيء.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1214