على (طريق المخاطر)... هجرة غير شرعية للوصول إلى شواطئ أوروبا
تغيّرت الطرق، وأصبحت محفوفة بالمخاطر أكثر من السابق، فبعد منع ليبيا دخول الأجانب إلى أراضيها براً عبر مصر، وبعد منع مصر دخول السوريين والفلسطينيين السوريين إليها إلا بشروط معينة، وبعد التشديد و«التعجيز» كما وصفه البعض، للوصول إلى لبنان والسفر عن طريقه، كان لابد من البحث عن طرق أخرى ولو كانت أكثر خطورة «للهرب» من الحرب الدائرة في سورية باتجاه ما يعتقد البعض أنه «الجنة» وبر الأمان، وهي شواطئ «أوروبا».
«قاسيون» جلست مع حوالي 5 شبان يحاولون العثور على طريقة للخروج من سورية باتجاه السويد، وكانت جميع الاحتمالات المطروحة صعبة التحقق واحتمال الموت فيها عالٍ نسبياً، وعلى خلاف الطرق المتبعة سابقاً، فقد كانت الخطورة الكبرى ضمن الأراضي السورية وليست في المحيط على متن الزورق الصغير المترنح عرض البحر.
الخروج أخطر من عرض البحر
يقول «س» إن «كل الدول التي كانت معبراً للهجرة غير الشرعية، أغلقت حدودها في وجهنا، هنا تطلب الأمر البحث عن طرق أخرى، أغلبها يحمل نسبة مخاطر تفوق الـ90% للخروج من الأراضي السورية فقط، وخاصة بعد التدقيق على الحدود اللبنانية»، مضيفاً «التكلفة ارتفعت قليلاً عن السابق لأن الطريق أصبح أطول».
«س» شاب في العشرين من عمره رفض وأصدقاؤه الافصاح عن اسمائهم صراحة، وهم حالياً اجتازوا الحدود السورية إلى تركيا، جميع الأصدقاء في العشرينات، منهم من باع حاجيات عائلته ومنهم من استلف من أصدقائه أو أقربائه لتأمين مبلغ وقدره 5500 دولار لزوم تكاليف الهجرة.
قبل السفر بيومين، اجتمعت «قاسيون» مع مجموعة الشباب هذه، وكما بدت ملامح الاصرار على بعضهم، بدت ملامح الخوف على البعض الآخر، وخاصة أثناء الحديث عن الطرق المحتملة للسفر، التي أصر الشبان على عدم سردها بالتفصيل خوفاً من أي تدقيق محتمل في الرحلة.
مشياً على الأقدام وسط النيران
الطرق التي كانت مطروحة للخروج من الحدود السورية، تبدأ من أي محافظة وصولاً إلى القامشلي أو إدلب أو حلب، وكل طريق له تفاصيله ومخاطره، ووفقاً لما تم الحديث به، فإن طريق القامشلي هو الأقل خطورة تقريباً، حيث يلتقي المهرب بالشبان هناك ويدعوهم للمكوث في منزله حتى حلول الظلام إن كان وصولهم في النهار، وبعدها يستقلون دراجات نارية أو سيارات خاصة للوصول إلى نقطة قريبة من الحدود التركية مخصصة للتهريب، وبعدها يتم المشي مسافة طويلة تقدر بـ9 كيلومتر قد يتعرض خلالها المهاجرون لعصابات تركب دراجات نارية مختصة بسرقة السائرين هناك، أو لإطلاق نار من قبل الدرك التركي، أو لعناصر من تنظيم «الدولة الاسلامية في العراق والشام- داعش».
وعند الوصول إلى الحدود، يتم دخول الأراضي التركية بشكل غير رسمي وبعدها يستقلون «بولمان» إلى استنبول، ومن هناك قد يتطلب الأمر المبيت عدة أيام للحصول على فيزة من السفارة الليبية بعد تزوير ختم الدخول إلى تركيا، ومن ثم تحجز مقاعد الطائرة ومن استنبول إلى ليبيا، حيث يلتقي المهاجرون بمهرب آخر مباشرة، الذي يقلهم إلى نقطة الهروب، وقد يطول الانتظار هناك لأيام حتى ركوب القوارب من سواحل ليبيا إلى إيطاليا.
طريق «المعجزة»
هذا بالنسبة للطريق الأقل خطورة، أما بالنسبة للطريق الأصعب والذي يطلق عليه اسم «المعجزة»، انطلاقاً من أن من يستطيع اجتيازه بأمان فقد حقق «معجزة» بحسب «س».
يبدأ الطريق من محافظة إدلب، وهناك يتم استقلال سيارات إلى منطقة تدعى «معر شورين»، وخلال اجتياز هذا الطريق، قد يتعرض المهاجرون لحواجز مسلحي المعارضة، وعند الوصول إلى «معر شورين» يتم استقلال أي سيارة ويطلب من السائق أن يتم توصيل الأفراد إلى «الحلة».
«الحلة»، بحسب «س»، هي عبارة عن إناء ضخم يشبه «الطنجرة»، يتسع لـ10 أشخاص فقط، يتم الركوب فيه لاجتياز نهر العاصي، وعلى الضفة الأخرى من النهر تكون عناصر «داعش» تراقب القادمين عن بعد، وقد يتم استجواب المهاجرين القادمين عبر هذا الطريق أو تفتيشهم والتدقيق على شكلهم وملابسهم وما إلى ذلك، وقد لا يتم التعرض لهم نهائياً إن وصلوا إلى نقطة بعيدة عنهم.
يتابع «س» حديثه قائلاً «يفترض عند الوصول إلى الضفة الأخرى الاسراع في ركوب أي وسيلة نشاهدها كون عناصر «داعش» قد تكون بعيدة حوالي الـ200 متر فقط، ويطلب من هذه الوسيلة الذهاب إلى انطاكيا، ومن انطاكيا إلى استنبول ومن ثم يتم اتباع ذات خطوات الطريقة السابقة».
ويؤكد «يجب علينا أن لا نحمل أي نقود أجنبية (دولار أو يورو) لأن عناصر «داعش» قد تستغلها كنقطة للتكفير، أو قد تعرضنا لمحاولات السرقة والاغتيال للحصول عليها، لذلك سنأخذ نقوداً سورية أفضل، ونقوم بتصريفها على الحدود التركية، وهذا لا يعني أن النقود السورية ليست خطرة ومسبباً لأي عمل قد ترتكبه «داعش» أو أي طرف مسلح آخر».
طريق «الموت»
أما الطريق الثالث، فهو الخطر جداً، ولا يحبذ العبور من خلاله بحسب «س»، وهذا الطريق يدعى طريق «الموت»، كونه يمر من دوار الموت في حلب وجميع النقاط المتوترة أمنياً والتي تشهد اشتباكات شبه دائمة، ويتطلب الأمر عبور مناطق تسيطر عليها «داعش» بالكامل، ورغم صعوبة هذا الطريق إلا أنه الأقل تكلفة للوصول إلى الحدود التركية.
وعن التكاليف يقول «س» إن «الحالتين الأولى والثانية تتراوح تكلفتها من 5000 إلى 5500 دولار أمريكي، يصل خلالها المهاجر إلى السويد، وتتضمن أجرة المهربين على حدود تركيا والمهرب في ليبيا مع أجرة تزوير الختم التركي».
مخاطر البحر وبصمة التسجيل
بعد الوصول إلى ليبيا، يكون المهاجرون قطعوا شوطاً هاماً محفوفاً بالمخاطر التي قد تودي بحياتهم، لكن هذه المخاطر لا تنتهي حتى تبدأ من جديد عند ركوب الزوارق من ساحل ليبيا في منطقة تدعى «زوارة».
عند الهبوط في مطار ليبيا تصادر جوازات السفر، وهنا تبدأ مهمة المهرب للحصول على ورقة عبور ضمن أراضي ليبيا للوصول إلى الساحل، بحسب ما قاله «س»
يقوم المهرب بتجميع المهاجرين على زورق صغير «ببور» بأعداد تتراوح بين 200 و250 شخص، علماً أن الزورق غير مخصص لأكثر من 150 شخصاً، وبعد سفر مدته حوالي 9 ساعات في عرض البحر، قد يلتقي المهاجرون بقوارب الصليب الأحمر التي وضعت مؤخراً هناك لانقاذ المهاجرين من خطر الغرق وإيصالهم إلى إيطاليا.
«في إيطاليا يجب علينا المغادرة خلال 3 ساعات هرباً من (البصمة) التي قد تؤدي إلى تسجيلنا كلاجئين هناك»، بحسب «س»، وهنا يقوم مهرب بتهريب المهاجرين إلى السويد أو ألمانيا، وهناك يقوم المهاجرون بتسليم أنفسهم لوضعهم في مخيم «كامب» حتى يتم التحقق من أمرهم واتخاذ الإجراءات اللازمة بحقهم، وتنتهي الرحلة.
ليبيا عاجزة..
مؤخراً، قال العقيد زياد علي أرحومة نائب رئيس خفر السواحل الليبي إن «الحكومة الليبية لا توجد لديها سيطرة على الاطلاق على الحدود الجنوبية»، مضيفاً إن «أعداد اللاجئين القادمين من دول أفريقيا جنوب الصحراء الغربية- خاصة اريتريا والصومال- ومن سورية لا يمكن التعامل معها وضبطها».
ووفقاً لتقارير تعود للشهر الماضي، فإنه هناك حوالي 250 ألف مهاجر غير شرعي يختبئون في ليبيا حالياً بانتظار دورهم للعبور إلى أوروبا، ويساعدهم في ذلك التداعي الأمني في ليبيا، حيث تقف ليبيا على مفترق طرق نزوح كبير للمهاجرين الذين يخاطرون بكل شيء للحصول على حياة جديدة مجهولة في أوروبا.
ووصل أكثر من 22 ألف مهاجر إلى سواحل جنوب إيطاليا منذ بداية عام 2013 وحتى الشهر التاسع من العام ذاته، بزيادة نحو ثلاثة أضعاف عن مجمل عام 2012، وبحسب مصلحة الهجرة السويدية فإن هناك حوالي 8000 سوري كانوا قد حصلوا على إقامات مؤقتة في السويد حتى 3 أيلول الجاري، سيحصلون على الإقامة الدائمة وسيكون من حقهم استقدام عوائلهم إلى السويد.
وقالت أني هورنبلاد من مصلحة الهجرة السويدية نهاية العام الماضي، «إن مصلحة الهجرة لاحظت انخفاض معدل وصول المهاجرين» مشيرة إلى أن ذلك المعدل «كان بحدود 1800 مهاجر أسبوعياً خلال شهري ايلول وتشرين الأول من 2013، فيما نزل هذا المعدل مؤخراً إلى 1200-1300 تقريباً».
ورغم الانخفاض النسبي خلال شهور الشتاء الماضية في معدل وصول المهاجرين بحسب «هورنبلاد»، إلا أن العدد الإجمالي للاجئين في عام 2014 سيكون أكبر مما كان عليه في 2013.