ضربة جديدة للزراعة الحكومة تلغي عقود الإيجار وتشرد الآلاف!
نزار عادلة نزار عادلة

ضربة جديدة للزراعة الحكومة تلغي عقود الإيجار وتشرد الآلاف!

قطاع الزراعة في سورية كان لأكثر من أربعة عقود أحد أهم فروع الاقتصاد السوري، وهو الأكثر عراقة، وكان الريف السوري يستوعب أكثر من /50%/ من السكان، وكان يشتغل في القطاع الزراعي أكثر من /45%/ من مجوع العاملين.

بعد /8/ آذار 1963 حدثت تطورات مهمة جداً في القطاع الزراعي شملت تصفية الملكيات الإقطاعية ونصف الإقطاعية، وتوزيع معظم الأراضي المستولى عليها والمستصلحة على الفلاحين المعدمين، وبرز إلى الوجود عدد من المزارع الحكومية وبذلت في إطار خطط التنمية جهود هامة لتطوير الريف شملت بناء السدود وتوفير الكهرباء واستصلاح الأراضي وإقامة العديد من المشروعات الصناعية ذات العلاقة بالزراعة في مناطق ريفية.

خطا الإنتاج الزراعي في العقود الماضية خطوات كبيرة نحو الأمام، ولكن وتائر نموه كانت بطيئة، فضرب الملكيات الكبيرة لم يواكبه نشر الإنتاج على أساس المشروعات الكبيرة المرتكزة على قاعدة علاقات إنتاجية تقدمية في إطار مزارع الدولة والمزارع التعاونية.

المزارع الحكومية لم تزد عن /15/ مزرعة تشكل المساحة التي تستثمرها /1%/ وكانت الجمعيات التعاونية في حوزتها قرابة الثلث من هذه الأراضي في حين قرابة الثلثين كانت في حيازة الأفراد القطاع الخاص بمختلف درجاته، والواقع الآن يقول:

ما جرى بعد تبني اقتصاد السوق في القطاع العام وترك شركاته دون تطوير وإصلاح أو ضخ استثمارات، جرى الأمر ذاته بالنسبة للزراعة والحقيقة أن هذا جرى منذ الثمانينيات انطلاقاً من مفهوم خاطئ مفاده أن التقدم رهن بإعطاء الأولوية للصناعة ولكن بعد اقتصاد السوق أصبحت السياحة والاستثمارات الخدمية هي الأساس.

في كل الأحوال غلبت النزعة الفردية في كثير من المعالجات واتجاهات المعالجة، فعوضاً عن البحث عن إمكانيات تطوير مزارع الدولة وزيادتها وتطوير الحركة التعاونية الزراعية باعتبارهما أساساً حاسماً لحل مشكلات الزراعة، جرى تعميق الاتجاه نحو حفز الفعاليات الخاصة والنشاط الفردي وبرزت في السنوات الماضية مشكلة الأمن الغذائي وتراجع عاماً بعد عام وأصبح هناك قصور في المحاصيل الزراعية النباتية والحيوانية عن مواكبة السكان.

القمح والقطن كانا من المحاصيل الاستراتيجية في سورية عبر عقود، وكانا ركيزتين أساسيتين للاقتصاد الوطني. وكانت سورية تصدر الفائض من إنتاجها منذ عام 1980، وقد بدأ المحصول بالتراجع واضطرت سورية العام الماضي إلى الاستيراد لأول مرة منذ /15/ عاماً، والأسباب، تقول الحكومة في تصريحاتها: الجفاف!.

اللوحة مغلقة وبحاجة إلى حلول جدية آنية وطويلة المدى لاسيما وأن العوامل المساعدة على تفاقمها مستمرة، ومنها النزوح من الريف إلى المدن وتناقص الراتب الغذائي للسكان، ولم تفكر الحكومة حتى الآن في التركيز على الزراعة وتطويرها ومدها بالاستثمارات اللازمة، والعناية بالفلاحين على اختلاف أشكال استثمارهم تمويلاً وتوريداً وتسعيراً وتسويقاً، بالإضافة إلى المكننة وتأمين الخدمات المختلفة، بل إن ما يجري وما يتخذ من قرارات وأبرزها يأتي بخلاف ذلك، ومنها رفع أسعار المستلزمات الذي أدى إلى ضرب القطاع الزراعي بكامله.

وفوق ذلك هناك قرارات حكومية تتخذ يحار الإنسان في تفسيرها، وهي تنتهك الحقوق المكتسبة التي أقرتها القوانين والتشريعات وأخطرها على الإطلاق ما جرى في المنطقة الشرقية وتحديداً شرقي مدينة القامشلي:

بعد عام 1963 حددت سقف الملكيات على النحو التالي:

الأرض المروية /200/ دونم.

والأرض البعلية /1200/ دونم.

ووزعت على الفلاحين بقية الملكيات بموجب عقود أجار أي أن الدولة حلت محل الملاك الكبار ومنذ العام 1963 وحتى العام الماضي والأسر الفلاحية تعمل بموجب عقود إيجار تدفع للدولة.

عام 2010 صدر قرار عن وزير الزراعة رقم /47/ مديرية زراعة الحسكة يقول: «بناءً على تعليمات وزارة الزراعة تلغى عقود الإيجار لـ /380/ عائلة».

شكل وفد من الفلاحين لمراجعة الجهات الوصائية ولم يستقبلهم أي مسؤول، ومنذ العام الماضي وحتى الآن شهرياً تصدر قرارات بإنهاء العقود ونزع الأراضي من الفلاحين وحتى تاريخه ألف أسرة فلاحية ألغيت عقودها، وعندما سألنا: هل تعطى هذه الأراضي لعائلات أخرى؟ جاءنا الجواب بالنفي، بل تترك بعلاً دون استثمار!

وهكذا إذا كان الجفاف قد هجر /800/ ألف مواطن من المناطق الشرقية إلى دمشق، فقد قامت الجهات الوصائية بتهجير ألف أسرة أيضاً.

بعد هذا، أليس من السذاجة أن نتساءل هل أن ما حدث وما يحدث في القطاع الزراعي كان نتيجة طبيعية وموضوعية للجفاف أم نتيجة لضرب القطاع الزراعي من خلال سياسة الحكومة الواضحة؟.

إن دراسة أولية لمواردنا الطبيعية الزراعية، وعلى رأسها المياه، تبين أنه مازالت هناك طاقات كامنة كبيرة غير مستثمرة يمكن في حال استغلالها بالشكل اللازم والمبرمج وحمايتها من الهدر والضياع أن تؤمن لسورية كامل احتياجاتها من السلع الغذائية، وأن توفر أمناً غذائياً على مستوى جميع السلع.

تقول ذلك عندما يتم إعطاء قطاع الزراعة أولوية في تأمين مستلزماته وعندما تعتبر الحكومة أن هذا القطاع مع الصناعي الهام هما قاطرة النمو وليس السياحة والخدمات.