من الدَّولَرة الفوضوية إلى التعويم العشوائي!

من الدَّولَرة الفوضوية إلى التعويم العشوائي!

عاود مصرف سورية المركزي إصدار نشرات سعر الصرف للعملات الأجنبية، وأصدر خلال الأيام القليلة الماضية عدة نشرات لسعر الصرف مقابل الدولار، كان آخرها بتاريخ 19/12/2024 بسعر 15,000 ل.س مقابل الدولار حتى إشعار آخر.

على الجهة المقابلة فإنّ شركة المحروقات حدَّدت أسعار المشتقات النفطية (بنزين – مازوت) بالدولار، وبسعر صرف يعادل 17,000 ل.س مقابل الدولار، وهو سعر غير مستقرّ نسبياً!
وبالتالي فقد بتنا أمام سعرَين رسميَّين للصرف، الأول يحدّده المصرف المركزي، والثاني تحدده شركة محروقات، وبفارق 2,000 ل.س بينهما، مع عوامل تأثير التباين في هذه الأسعار وفروقاتها على المواطنين والاقتصاد عموماً.

سعران رسميّان وسعران عشوائيّان!

إضافة إلى تعدُّد أسعار الصرف الرسمية، فإن أسعار الصرف في السوق أيضاً متنوعة ومتعددة، منها السعر المتداول بالسوق السوداء الذي تحدّده عمليّاً القوى المتحكّمة بسعر الصرف فيه بما يتناسب ومصالحها، وقد كان شديدَ التذبذب خلال الأيام الماضية، حيث يرتفع فجأة وينخفض فجأة لكنه يبقى أعلى من سعر صرف المركزي، إضافة إلى السعر التحوُّطي المستمرّ الذي يحدِّدُه أصحابُ الأنشطة والفعاليات الاقتصادية والتجارية نتيجةً لعدم استقرار أسعار الصرف الرسمية وغير الرسمية، وتُسعَّر من خلاله السلعُ والخدمات في السوق، والذي يقدَّر بحدود 20 ألف ليرة مقابل الدولار.

الإنتاج المحلي أكبر المتضرِّرين!

إنّ عدم استقرار سعر الصَّرف بشكله الحالي، كما أيّام السلطة الساقطة، يؤثِّرُ بشكلٍ مباشر في النشاط الإنتاجي المحلي بشكلٍ خاص، بشقيه الزراعي والصناعي، وبالتالي يؤثر على الاقتصاد بشكل عام، ومن أبرز التحديات التي تواجه المنشآت والأعمال الإنتاجية بسبب عدم استقرار سعر الصرف، ارتفاع تكاليف مستلزمات الإنتاج، والمستورد منها بشكل خاص، والصعوبة في تحديد أسعار منتجاتهم بالشكل الذي يضمن الهوامش الربحية التي تؤمن استمرار الأعمال وعدم إغلاقها، بالإضافة لاستمرار معاناتهم من انخفاض معدلات الاستهلاك نتيجةً لتقلبات الأسعار وارتفاعها بسبب ارتباطها بسعر الصرف، وبسبب تزايد مستويات الإفقار.
كل هذه العوامل وغيرها دفعت بأصحاب هذه الأعمال إلى الاعتماد على أسعار الصرف التحوُّطية التي تحددها كلّ منشأة بما يضمن هوامش ربحيّة معينة، ولكن هذا الأمر يؤدّي إلى رفع الأسعار بشكلٍ كبير، وبالتالي انخفاض إضافي بمعدَّلات الاستهلاك، وتضاؤل وتراجع الإنتاج المحلّي وصولاً إلى انهياره.

التعويم العشوائي!

واقع الحال يقول إنّ السوقَ أصبحَ مدَولَراً بشكلٍ كبير، مع فائضٍ من الفوضى والعشوائية فيه، ومن الواضح أنّ القوى المتحكّمة بسعر الصرف هي قوى السوق، حيث ما زال المصرفُ المركزي يمارس دوره السابق كمتفرِّجٍ ومفعولٍ به، لتأتي إجراءاته في تحديد سعر الصّرف كردودِ فعلِ للمحرِّك والفاعل الأساسي بأسعار الصّرف المتمثِّل بقوى السوق، التي تمارس دورها النهبويّ كما كانت عليه سابقاً، مع المزيد من التشوُّه، فهي التي تحدّد وتتحكَّم بشكلٍ شبه كلّي بعاملٍ اقتصاديٍّ هامّ على المستوى الوطني تلبيةً لمصالِحها، وهذا تحديداً ما يمكن تسميتُه بالتعويم الخالِص، بعد الانتهاء من مرحلة التعويم الموجَّه التي كانت تسير عليها حكوماتُ السلطة الساقطة، لكنّه عشوائيٌّ ومنفلت وشديد الضّرر على الاقتصاد الوطني ككل.

مهام ليست سهلة لكنها ليست مستحيلة

إنّ استمرار غياب دور المصرف المركزي بوصفه الفاعلَ الأساسي المفترَض بتحديد سعر الصرف والتحكّم فيه للمصلحة الوطنية، وترك هذا الأمر للغايات النهبويّة لقوى السوق، سيضاعفُ الكوارثَ والسلبيات التي يعاني منها الاقتصاد الوطني، وخاصّةً على مستوى الإنتاج ومعدَّلات الاستهلاك، وتراجع المستوى المعيشي للغالبية المفقَرة من السورييّن أكثر فأكثر، وهي همسةٌ في أذن حكومة تصريف الأعمال الحالية لبذل الجهود مع المصرف المركزي لاستعادة دوره ومهامه تِباعاً وبأسرع وقتٍ على مستوى ضبط سوقِ القَطْع، مع إدراكنا أنّ هذا الأمر ليس سهلاً في الظروف الراهنة، لكنّه ليس مستحيلاً من كلّ بُد.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1206