السخرية كملاذ اضطراري ووسيلة للتعبير والتغيير

السخرية كملاذ اضطراري ووسيلة للتعبير والتغيير

بسبب المآسي التي يعانيها السوريون منذ سنوات طويلة، أصبحت السخرية وسيلة شائعة للتعامل مع الألم والواقع المرير.

هذه الظاهرة ليست غريبة في المجتمعات التي تواجه أزمات إنسانية واقتصادية معيشية حادة، ولكنها اكتسبت عند السوريين أبعاداً أعمق، حيث باتت ملاذاً نفسياً ومجتمعياً، يعكس وعياً بواقع الحال وبؤسه ورفضاً له.
بحسب مختصي علم النفس فإن السخرية تعتبر آلية دفاعية تنتمي إلى ما يُسمى بالتسامي، وهي إحدى طرق العقل البشري للتعامل مع التوتر والضغط النفسي.
فعندما يعجز الإنسان عن تغيير الواقع أو مواجهته بشكل مباشر، يلجأ إلى إعادة تأطيره بشكل ساخر، مما يمنحه شعوراً بالسيطرة ولو بشكل وهمي.
بالنسبة للسوريين، كان للقصف والدمار واللجوء والفقر والتشرد والجوع أثر مدمر على الحالة النفسية العامة، ومع ذلك، وجدت السخرية طريقها إليهم كوسيلة للنجاة، عبر النكتة أو التعليقات الساخرة، حيث يستطيع الفرد التعبير عن ألمه دون الوقوع في هاوية الاكتئاب.
فعندما يسخر الإنسان من معاناته، فإنه ولو للحظة، يُضعف أو يخفف قبضتها عليه.
السخرية ليست وسيلة فردية للهروب النفسي فقط، بل هي أيضاً وسيلة اجتماعية لتعزيز الشعور بالجماعة والانتماء.
ففي المجتمعات التي تواجه أزمات، تصبح السخرية لغة مشتركة تعكس واقعاً جماعيا.ً
فعلى منصات التواصل الاجتماعي تنتشر النكت والعبارات الساخرة التي تتناول مواضيع مثل انقطاع الكهرباء، غلاء الأسعار، أو الفساد وغيرها...
هذه السخرية الجماعية ليست مجرد تسلية، بل كانت طريقة السوريين للتعبير عن شعورهم المشترك بالظلم والمعاناة، وكذلك تحمل في طياتها انتقاداً مبطناً للواقع ورغبة عميقة في تغييره، حتى وإن بدا هذا التغيير بعيد المنال.
السخرية السورية الدارجة تظهر وكأنها تحمل تناقضاٍ صارخاً بين عمق المعاناة وسطحية التعبير عنها، لكن هذا التناقض الظاهر على السطح يعكس فلسفة عميقة للحياة، مفادها أن الضحك هو السلاح الأخير في وجه الألم.
فالسوري عندما يضحك ويتهكم على وضعه، فإنه يرسل رسالة واضحة لنفسه ولمن حوله تقول لن نسمح للمآسي أن تهزمنا، ولن نسمح بأن تضعف لدينا دوافع التغيير.
كذلك لعبت السخرية دوراً سياسياً هاماً في المجتمع السوري، حيث استخدمت كوسيلة للتعبير عن رفض السلطة أو انتقاد ممارساتها.
ففي ظل الأنظمة التي تقمع حرية التعبير، تصبح السخرية وسيلة آمنة ولو نسبياً لنقل رسائل الرفض والمعارضة.
فالنكتة السياسية كانت وما زالت جزءاً من التراث السوري، وقد استعادت زخمها بقوة خلال سني الخرب والأزمة، حيث اكتسبت طابعاً أكثر جرأة وعمقاً وشمولية.
فالسخرية بالنسبة للسوريين لم تكن مجرد ملاذ مؤقت من الألم، بل كانت فعل مقاومة ووسيلة للتعبير وأداة للتكاتف المجتمعي من أجل التغيير، وهي كذلك تعكس الرغبة العميقة في حب الحياة، حتى وإن كانت بأحلك صورها.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1204