من المرفأ مجدداً.. البضاعة ترانزيت أم استهلاك محلي والفرق 4-5 أضعاف

من المرفأ مجدداً.. البضاعة ترانزيت أم استهلاك محلي والفرق 4-5 أضعاف

تكثر تفاصيل عمليات الفساد في المرافق الكبرى ذات الموارد العالية، ومرفأ طرطوس الذي نعود إليه مراراً وتكراراً هو أحد أهم هذه المرافق، حيث تستطيع أن تجد ملفاً للفساد في كل مرحلة من مراحل العملية الإنتاجية والخدمية.. وهنا نستعرض من معلومات من مصادر خاصة لقاسيون حول إحدى التفافات الفساد العديدة التي تمر عبر العلاقة بين التجار والوسطاء من جهة وبين الجهات الرسمية المسؤولة المتغافلة..

تضيع في المرفأ   الكثير من الإيرادات على خزينة الدولة، عن طريق قدرة التجار والوكالات على التهرب بطرق متنوعة من عملية دفع الرسوم المستحقة للدولة، والتي لا يمكن أن تتم إلا في ظل وجود مستوى عال من التراخي من الجهات المسؤولة عن عمليات دخول البضائع إلى البلاد عبر مرفأ طرطوس.

التاجر والوكالة والمخلص

تصل البضاعة المشحونة في البواخر إلى المرفأ ومن المفترض أن تقوم وكالة بحرية بترجمة بوليصة الشحن التي صدرت البضاعة بموجبها من الجهة القادمة منها، لتضع فيها كافة مواصفات البضاعة، وتحدد وجهة هذه البضاعة، هل هي للاستهلاك المحلي في الأراضي السورية، أم أنها بضاعة عابرة ترانزيت وعبر أي معبر..

حيث تقوم الجمارك بصياغة بيان جمركي بناء على بوليصة الشحن، ويقوم المرفأ عن طريق إدارة الواردات فيه باصطفاء البضاعة لاستلام رسوم تختلف بحسب وجهة البضاعة، حيث يفترض ان يستوفي المرفأ عن البضاعة الترانزيت رسوماً بالعملة الصعبة على الطن، بينما البضاعة المستوردة للاستهلاك المحلي فيستوفي المرفأ رسومها بالعملة المحلية، لتختلف تكلفة الرسوم على التاجر بين طن الترانزيت، وطن الاستهلاك المحلي حوالي 5-6 أضعاف، وبالتالي تختلف كذلك الإيرادات الحكومية بمثل هذه النسبة.

لذلك فإن تغيير وجهة بضاعة الترانزيت إلى الاستهلاك المحلي في البيانات، يعتبر واحدة من الطرق التي يوفر فيها التجار تكاليف، وتخسر فيها الدولة إيرادات بالقطع الأجنبي، ويحصل فيها بعض المنتفعين والسماسرة على دخل إضافي نتيجة التستر.. بينما المسؤولية تقع على الجهتين الحكوميتين المسؤولتين عن التدقيق في جهة البضاعة واستيفاء الرسوم، أي (الجمارك) وإدارة مرفأ طرطوس.

 

احتكار العمليات الخدمية وسيلة!

تساعد بعض الوكالات البحرية الخاصة في حصول التجاوزات حيث أن ترجمة وصياغة بوليصة الشحن هي من مهمتها، وعدم تحديد وجهة البضاعة على البوليصة الصادرة من الوكالة يسمح بترك هذه الثغرة مفتوحة، لتتغير وجهة البضاعة من ترانزيت إلى الاستهلاك المحلي بما يخفف على التاجر رسوم المرفأ، ويضيع إيرادات على الدولة.

يحتكر بعض التجار المستوردين الكباروكالات بحرية، ومكاتب تخليص جمركي تعتبر شبكة تسمح لهم بتنسيق العمل لتحقيق وفورات على حساب المال العام.  لذلك غالباً ما تتم عملية التزوير والتهرب من الرسوم الحقيقية عندما تكون الوكالة البحرية مملوكة للتاجر المستورد ذاته، حيث وأن هذه الثغرة التي تتركها الوكالة البحرية الخاصة لا تسمح بتغيير الوجهة إلا إذا استكملت العملية من المخلص الجمركي الذي يفترض أن يقوم بتخليص البضاعة وصياغة البيان الجمركي، المتضمن وجهة البضاعة، والذي تتحدد على أساسه رسوم المرفأ. وهذه العملية تتم تحت إشراف الجمارك العامة، وإدارة الواردات في المرفأ التابعة لإدارته العامة.

 

ثغرات قانونية

تزوير وجهة البضاعة، يتم من خلال ثغرة أخرى سمح بها القانون نتيجة ظروف الأزمة. حيث أن البضاعة الترانزيت لم تكن تخزن بل تنتقل فوراً إلى المعابر الحدودية، لينظم بيانها الجمركي مباشرة ويستوفي المرفأ رسومه بالقطع الأجنبي دون حصول أي التباس في وجهة البضاعة.

إلا أن ظروف الأزمة ووجود ذرائع من نوع عدم وجود الشاحنات، أو الظروف الأمنية على الطرقات أدت للسماح للتجار بتخزين البضاعة لفترات في مستودعات خاصة، على الرغم من وجود مستودعات مجهزة وكافية في المرفأ. خروج البضاعة إلى المستودعات الخاصة، وتنظيم البيان الجمركي خارج المرفأ في بعض الأحيان يزيد من إمكانية تزوير وجهة البضاعة.

 

التأمين طريقة وضمانة

بكل الأحوال فإن هذه الثغرات تسمح بحصول هذه المخالفات التي تؤدي إلى خسارة الدولة لكثير من إيرادات بالقطع الأجنبي، إلا أنها لا يمكن أن تتم إلا في ظل تساهل وتنسيق من الجهات الحكومية المسؤولة عن عمليتي الرقابة على وجهة البضاعة، ودقة بياناتها، فالتغافل وعدم التدقيق من الجمارك العامة وإدارة مرفأ طرطوس، تسمح للتاجر والوكالة البحرية والمخلص الجمركي بتزوير وجهة البضاعة.

لذلك عدا عن الطريقة المنطقية لسد هذه الثغرات وهي تشديد الرقابة، ومعاقبة المخالفين والتأكد فقط من وجهة البضاعة، يستطيع القانون الذي يسمح بالثغرات المراعية للتجار في ظروف الأزمة، أن يسن ما يسمح بسد طرق هدر المال العام وموارد الدولة. ويقترح العاملون في المرفأ بناء على ذلك أن يطلب المرفأ تأميناً على البضائع المودعة في المستودعات تكون قيمته أعلى من رسوم الترانزيت وبالقطع الأجنبي، ويعاد للتاجر لدى التحقق من عبور البضائع.

يرى البعض أن الكثير من المرافق العامة الهامة للدولة بوضعها الحالي لن تستطيع أن تصمد في مرحلة إعادة الإعمار أمام المستحقات الكبرى القادمة، وهذا ما ينطبق على مرفأ طرطوس بشكل خاص بحسب عماله وبعض المخلصين لهذا المرفق الهام الذين يرون بأن قدرات المرفأ اليوم من حيث الآليات والمعدات غير قادرة على تحمل العودة إلى طاقة عمل ما قبل الأزمة، وهي غير قادرة بالتأكيد على رفع أعباء إعادة الإعمار إذا لم يتم تدارك الوضع بحماية المرفأ كغيره من الفساد الذي بآليات عمله يتجاوز فكرة الهدر لينتقل إلى الهدم..

آخر تعديل على الأحد, 08 حزيران/يونيو 2014 22:17