«المحترمات فقط» لمقابلة الوزير..!

«المحترمات فقط» لمقابلة الوزير..!

يبدو أن وزارة التربية تحتاج إلى عملٍ جدي لإثبات صفتها التربوية ناهيك عن صفتها التعليمية، وهذه إحدى الاستنتاجات التي وصلنا إليها من متابعة قضية معلمات مدرسة التوجيه الخاصة في دف الشوك بريف دمشق..

لا تحتاج القضية إلى كثير من التفاصيل: 42 معلمة و 42 عائلة في مواجهة رب عمل جائر، هو صاحب المدرسة الذي يريد إغلاق المدرسة وهضم حقوق المعلمات، إلى جانب وزارة أقلها غير مبالية وربما أخطرها متحالفة مع رب العمل الذي يمارس نشاطات اقتصادية عدة إلى جانب امتلاكه للمدرسة..

التقت قاسيون بالمعلمات للوقوف على أحوالهن ولمتابعة قضيتهن، وتحدثت إلينا المعلمة س.ص فقالت: «قامت وزارة التربية بإرسال لجنة «تقصي حقائق» بناءً على طلب الإغلاق المقدم من صاحب العمل، بناء على شكوى تقدمنا بها، وكان على اللجنة تقييم وضع المدرسة لدراسة طلب إغلاقها» بذريعة عدم وجود عدد كاف من الطلاب وتابعت: « تفضلت اللجنة بزيارتها الكريمة يوم الأربعاء 26/12/2012 بعد يوم عطلة بشكل مقصود، والمعروف أن نسب حضور التلاميذ تنخفض بشكل ملحوظ في مثل هذه الحالات، الأمر الذي يصب في مصلحة صاحب المدرسة الذي يدعي أن وضع المدرسة كارثي»، وأضافت: «لم تكتف اللجنة بالحضور بعد يوم عطلة، بل وغضت الطرف عن طلاب الأول الأساسي فلم تسجلهم»..

وأوضحت معلمة أخرى.. «بناء على ذلك صدر قرار بالإشراف على المدرسة من وزارة التربية وبصرف رواتب العاملين من الضمان المالي، حيث أوقف صاحب العمل رواتبنا لتسعة أشهر متتالية ولم نتقاضَ حتى الآن سوى رواتب ثلاثة أشهر هي أشهر الصيف بعد أن ساومنا صاحب العمل على استقالاتنا كمقابل للرواتب ورفضنا ذلك»..

لكن وبعد زيارة اللجنة قامت المعلمات بزيارة وزير التربية الذي وعد حسب ما أخبرتنا المعلمة م.ن بأنه لن يغلق المدرسة «حتى ولو بقي فيها طالب واحد»، ورغم ذلك لم تحرك الوزارة ساكناً حيث استمر وضع المدرسة بالتراجع تحت ضغط صاحب العمل بالتعاون هذه المرة مع المديرة المشرفة المكلفة من وزارة التربية والتي أخبرتنا المعلمات بأنها رفضت الحديث إليهن لأنها «لا تجادل جدال نسوان الحارات» على حد تعبيرها، لكنها مع ذلك أضافت م.ط : «كلفت نفسها الحديث إلى صاحب بسطة مقابلة للمدرسة قائلةً: «مدرسة ب 42 معلمة على 45 طالب!» في مساعدة واضحة لصاحب العمل بالإيحاء بأن المدرسة ستغلق أبوابها، علماً أن عدد الطلاب المسجلين في المدرسة في العامين الماضيين بلغ 600 و608 على التوالي وهذا العام 2012/2013 بلغ 422 طالباً تتراوح أقساطهم بين 23 و45 ألف ليرة سورية للطالب الواحد»، والقول للمعلمة ذاتها.

لجأت المعلمات بعد انقطاع السبل بهن إلى الصحافة، فكتبت جريدة تشرين مقالاً بينت فيه واقع الحال بتاريخ 23/12/2012، وفي اليوم التالي للنشر ذهبن لمقابلة الوزير للمرة الثانية، ولكن عن كيفية استقبالهن حدثتنا المعلمة ع. ق فقالت: (استقبلنا مدير مكتب السيد الوزير بعبارة: «اختاروا من بينكن خمس معلمات محترمات لمقابلة الوزير»، وكأن بيننا من هن محترمات ومن هن غير محترمات!، وحين دخلنا إلى مكتب الوزير لم تكن الأمور أحسن حالاً، فالوزير الذي بدا مشغولاً قال لنا: «لا تقعدوا، كلمتين على الماشي» ومنعنا من الجلوس وبعد أن عرضنا قضيتنا بشكل مقتضب، علق السيد الوزير بالقول: «أنتن هنا كأي مواطن من الشارع، لا حقوق لكن عندي» وأضاف: «بدي وزع الطلاب، وإنتو بدكن تقعدوا بالبيت»، وربما كان مغتاظاً من المادة المنشورة في جريدة تشرين..)، والقول للمعلمة المذكورة أيضاً.

وحول الوضع المعيشي للمعلمات وما يتعرضن له من ضغوط أوضح عدد من المعلمات لقاسيون.. المعلمة (س): «زوجي مريض سكري وغير قادر على العمل، ودخلنا الوحيد هو الأجر الذي اتقاضاه من المدرسة، فما الذي يريدون مني أن أفعله؟، هل ترمى المعلمة في بلدنا على قارعة الطريق؟؟»، وشرحت المعلمة (ع): «أنا وزوجي نعمل في القطاع الخاص، تدمر بيتنا خلال الأزمة، فبأي حق يريدون منعي من إطعام أولادي؟؟». المعلمة (ص) أضافت: «زوجي عاطل عن العمل بسبب الأزمة، وأخي استشهد خلال الأحداث، وها هم الآن يلقون بي إلى الطريق»، وأضافت في سؤال مر: «هل هذا الوطن هو وطن أصحاب المال والمسؤولين أم وطن أولئك الذين يقدمون التضحيات والتعب كل يوم؟!».

إن حل قضية معلمات مدرسة التوجيه، لا تحتمل أي تأجيل، وهي تطرح من جملة ما تطرح المشكلات الكبرى التي يتضمنها قانون العمل الجائر سيّىِء الصيت الخاص بالقطاع الخاص، أي القانون رقم 17 الذي يطلق يد رب العمل بالتسريح التعسفي، كما أنها تطرح إلى جانب ذلك قضية أهم وأكبر هي: كيف يمكن للشعب السوري أن يحاسب الحكومة ووزراءها؟ وكيف له أن يدافع عن كرامته في الحالات التي ينتهكها فيه وزير أو مسؤول أياً كان موقعه؟

من جهة أخرى، فهل تسريح هؤلاء العاملات وأكثر من مئة ألف عامل غيرهن في القطاع الخاص حسب بعض الأرقام المسربة، هو في أجندة الحل السياسي المطلوب للأزمة الراهنة، أم أن إرضاء أصحاب الأموال هو المقصود بذلك الحل؟؟