دير الزور... القطن الأبيض والسياسات الزراعية السوداء!

دير الزور... القطن الأبيض والسياسات الزراعية السوداء!

كان محصول القطن يعتبر محصولاً استراتيجياً، ويرفد الاقتصاد الوطني كمادة خام للتصدير، أو ما ينتج عنه من صناعة، كحلج الأقطان وصناعة الغزل والنسيج، والتي كانت تشتهر بها سورية عبر التاريخ، لكن السياسات الزراعية الليبرالية المستمرة إلى الآن، من رفع الدّعم عن مستلزمات الإنتاج والطاقة وتحرير أسعارها، تحت حجج واهية والخطط والوعود الوهمية، أودت بالمحصول إلى الحضيض!

أكد العديد من الفلاحين، أن الزراعة وأوضاعهم في كل عام من سيئ إلى أسوأ، ومن الأسوأ إلى الأكثر سوءاً، ومنها زراعة محصول القطن، سواء نتيجة ارتفاع مستلزمات وتكاليف الإنتاج، أو الأسعار البخسة لمحصولهم!

تكاليف الدونم

ارتفعت تكاليف زراعة دونم القطن هذا العام عن العام السابق، وبحسب بعض الفلاحين فقد بلغت كلفة حراثة الدونم 150 ألفاً، وثمن كغ البذار تتراوح أسعاره بين 20 ألفاً للبذار المحلية من تعقيم الفلاحين أنفسهم، إلى المستورد والمهرب الأمريكي 40 ألفاً، وكل دونم يحتاج إلى 10 كيلوغرامات، إذا تمت زراعته بطريقة (التقبيع)، التي توفر كمية البذار لكنها تحتاج جهداً إضافياً، حيث تحتاج زراعة الدونم إلى 3 عمال، وأجرة العامل الواحد 30 ألفاً، أي ما مجموعه 90 ألفاً، ويحتاج الدونم إلى أربع ريات ماء، وأجرة العامل 10 آلاف ليرة، أي 40 ألفاً، وأجرة التعشيب(الركاش) 25 ألفاً، لكل عاملة ويحتاج لثلاث عاملات، ولمرتين، أي 150 ألفاً، ويحتاج لأدوية زراعية لمكافحة الحشرات 12ألفاً و500 ليرة، أما أجرة قطاف القطن(اللكاط) 25 ألفاً لكل عاملة ويحتاج لأربع عاملات، أي 100 ألف ليرة، أما أجور النقل فتختلف حسب بعد المنطقة وقربها من مركز التسليم، وفي هذا العام المراكز قليلة وبعيدة!

الإنتاج والأسعار

تتراوح أسعار كغ القطن نحو 10 آلاف ليرة، حسب درجات الرطوبة، ويتراوح إنتاج الدونم بين 100 و150 كغ!
وفيما يلي ما تحدث به بعض الفلاحين لقاسيون عن واقعهم مع محصول القطن:
الفلاح أ/أ: زرعت هذا العام 7 دونمات، كلفتني زراعة الدونم مليوني ليرة، ولم تنتج سوى شلّاً (كيساً) واحداً حوالي 200 كغ، أي إن قيمتها لم تغطِّ تكلفة دونم واحد، والسبب إضافة لارتفاع التكاليف والمستلزمات والجفاف العام، عدم انتظام تشغيل الري من حوض الفرات، وعدم إيصالها من القناة الرئيسية إلى القنوات الفرعية، وعندما طالبنا بذلك قالوا لنا «دبروا حالكم» لا يمكن ذلك، مما اضطرنا لمد خرطوم من القناة الرئيسية إلى الفرعية، وهذا عرّضنا للمساءلة والمخالفة، حيث مخالفة ذلك 300 ألف ليرة سورية، بالإضافة إلى أن خنادق تصريف المياه المالحة ممتلئة، ولا تصرف المياه بسبب نمو الزل والحلفا والأعشاب، حيث الثعبان غير قادر على المرور فيها، بسبب عدم تعزيلها في القطاع الثالث من استصلاح الأراضي( موحسن وتوابعها) وطالبنا مراراً بذلك، لكن لا حياة لمن تنادي!
الفلاح م/ب: لعدم قدرتي على تأمين مستلزمات وتكاليف الإنتاج، اتفقت مع فلاح لزراعتها بالقطن، مني الأرض ومنه المستلزمات والتكاليف، والمسكين لم يحصل على ربع التكاليف نتيجة قلة المحصول وقلة السعر، فكيف يدفع لي أجرة الأرض؟
الفلاح ف/ح: لن أدخل في التفاصيل، وباختصار، الأرض نفسها زرعتها بالقطن في الموسم الماضي، أعطتني 4 شلول (أكياس) وهذا العام أعطتني شلين (كيسين) فقط، وقررت أن أزرعها موسماً ثالثاً بالشعير، والأنكى من ذلك، أوقفوا ضخ المياه في قنوات الري، حتى لا نزرع الشعير، لأن الدولة لا تسوقه، علماً أن الشعير مادة مهمة وضرورية كعلف لثروتنا الحيوانية، كما أنّ له فائدة زراعية للأرض حيث يقوم بالتخفيف من ملوحة الأرض واستصلاحها!
المهندس الزراعي م/ن: هذا العام ولأول مرة أصيب محصول القطن بحشرة (الجاسيد) ونتيجة عدم المتابعة والاهتمام والمكافحة المتأخرة لها، سببت أضراراً كبيرة وخاصة في الريف الشرقي أكثر من الريف الغربي، وهذه الحشرة تسبب انخفاض الإنتاج في محصول القطن.

الفلاح ليس بخير وكذلك الوطن!

هناك مقولة متداولة تقول: (إذا كان الفلاح بخير فالوطن بخير) كوننا بلداً زراعياً!
والأكيد: أنّ الفلاحين ليسوا بخير، وبالتالي الوطن ليس بخير!
فالسياسات الزراعية الليبرالية السوداء دمرت الزراعة، وخاصة المحاصيل الاستراتيجية، وما يرافقها من صناعات في سورية كلها، ناهيك عن الفساد والنهب والمحسوبية، وفي دير الزور خصوصاً، لأن الزراعة فيها تعتمد على المحاصيل المروية، وليس البعلية كما في الجزيرة مثلاً، لأنها تقع ضمن خط الأمطار القليلة!
فلمصلحة من يجري تطبيق هذه السياسات المدمرة؟!

معلومات إضافية

العدد رقم:
1198
آخر تعديل على الأحد, 27 تشرين1/أكتوير 2024 20:25