فرض منطق الجباية بالقوانين!
للأسف أصبح هدف المشرع من خلال إقرار بعض القوانين هو مجرد تحصيل مبالغ من المواطنين وإرهاقهم بضرائب جديدة، أو زيادة في نسبة ضرائب سابقة، دون النظر إلى الآثار القانونية والاجتماعية التي تسببها تلك القوانين، وما تتركه من أثار سلبية، خاصة على النشاط الاقتصادي.
فبعد ثلاث سنوات من إصدار القانون رقم 15 للعام 2021 الخاص بالبيوع العقارية، والذي حدد الضريبة على البيوع العقارية استناداً إلى قيمتها الرائجة، التي تحددها لجان مختصة تستند إلى بيانات وتخمينات رقمية ومؤتمتة، حيث تم وفق القانون تحديد سعر المتر المربع للعقار السكني والتجاري في جميع المدن والمناطق والبلدات عبر لجان مختصة، وتم تثبيت هذه القيم في نظام مؤتمت لتكون مرجعاً عند تحديد الضريبة على البيع وفق النسب الضريبية الواردة في القانون، من خلال ربط عقود البيع مع القيمة الرائجة للعقارات والمسجلة في بيانات مؤتمتة مُسبقاً.
عدة لجان!
أقر القانون ثلاث لجان مهمتها وضع الخرائط والتقييم العقاري، حيث تشكل بقرار من الوزير لجان لتقدير القيمة الرائجة للوحدات العقارية.
اللجنة المركزية مهمتها الإشراف على تقدير القيم الرائجة للعقارات من قبل اللجان الرئيسية المشكلة في كل مديرية مالية محافظة واعتمادها، والتي بدورها تقوم بالإشراف على عمل اللجان الفرعية والموافقة على نتائج أعمالها.
ويحقق تطبيق هذا القانون زيادة في الإيرادات الضريبية للخزينة العامة بما يتلاءم مع الأرباح التي تتحقق من عمليات البيع العقاري بمختلف أنواعها وأشكالها حسب نص القانون.
الهيئة العامة للضرائب والرسوم صرّحت أن القانون يضمن تحقيق مستوىً عالٍ من الشفافية والدقة بالتحصيل الضريبي، بشكل يميز بين ما هو مطلوب ضريبياً على بيع العقار باهظ الثمن ومنخفض الثمن، ما يحقق عدالة في التكليف الضريبي بين أصحاب العقارات الرخيصة وأصحاب العقارات مرتفعة الثمن، وبين ما هو سكني وما هو تجاري. الكل يدفع الضريبة العادلة وفق قيمة عقاره بما يحفظ حق الأفراد وحق الدولة.
ارتفاع مستمر بنسب الضرائب!
واللافت في القانون أن اللجان المذكورة تقوم كل ستة أشهر بإعادة تقييم، أو تصويب كما تسميها، للقيم الرائجة للعقارات، والتي تأتي كل مرة بزيادة في القيم الرائجة، وفي ارتفاع مستمر دون النظر إلى المبلغ الحقيقي للمبيع، والذي يأتي عادة حسب حركة السوق العقارية وما يطرأ عليها من تقلبات، قد تؤدي بأغلب الأحيان وخاصة في هذه الظروف إلى انخفاض في أسعار العقارات، لتبقى تلك القيم التي تسعر وفقها الدوائر المالية بعيدة عن واقع السوق في أغلب الأحوال، حيث تلخص هدف القانون بتحصيل أكبر مبلغ من الضريبة قدر الإمكان فقط، عكس ما روّجت له الهيئة العامة للضرائب والرسوم على أنه يحقق العدالة الضريبية!
نفّذ ثم اعترض!
والجدير بالذكر أنه يحق للمكلف الاعتراض على القيمة التخمينية للدوائر المالية، لكن بشرط تسديد مبلغ الضريبة أولاً قبل تسجيل اعتراضه، الذي ترسله الدوائر المالية إلى المديرية العامة للضرائب والرسوم لدراسته خلال مهلة 30 يوماً من انتهاء المهلة المحددة للاعتراض، وهذا يعني على أرض الواقع إهدار مزيدٍ من الوقت والجهد، يصل إلى شهرين على أقل تقدير، والذي يؤثر على عملية البيع نفسها وتوقفها وإفشالها نتيجة الانخفاض المستمر واليومي بقيمة العملة، وعلى عكس ما تطلبه عادة تلك المعاملات من سرعة بإنجازها!
ممنوع التراجع عن البيع...!
والمضحك المبكي أكثر، والذي يوضح أن هدف القانون تحصيل الأموال فقط، من جيوب المواطنين، أنه في حال تراجع البائع والشاري عن عملية البيع اعتبرت الدوائر المالية ذلك بمثابة البيع المنجز، وبالتالي تفرض عليه ضريبة وكأن العملية قد تمت!
وفي حال تأخر المكلف بدفع الضريبة لمدة 30 يوماً تفرض بحقه غرامة قدرها 10% من قيمة الضريبة المفروضة، وأغلب حالات التأخر تكون لسبب ليس للمكلف أو لمعقب المعاملات يد به!
مخالفة قواعد ونصوص قانونية أساسية!
كما فرض القانون ضريبة على عقود الهبة، التي من المفترض أنها تكون من دون عوض، وخفض نسبتها بين الأصول والفروع والأزواج فقط، فيما اعتبر أن الهبة خارج هذه الأطراف بمثابة عملية بيع وتخضع للضريبة ذاتها، وبذلك يكون قد نسف مبدأ الهبة المنصوص عليها في القانون المدني، وتدخّل في إرادة أطرافها بشكل يخالف مبدأ قانوني أساسي وهو مبدأ العقد شريعة المتعاقدين!
تعدٍّ على صلاحيات القضاء!
والأخطر في القانون أنه تدخل في اختصاص السلطة القضائية ومنع المحاكم من إعطاء أحكام قطعية بتثبيت عمليات البيع والشراء، إلا إذا أرفق المتداعون إشعاراً بتسديد مبلغ الضريبة المتوجبة على العملية موضوع النزاع في الدعوى!
وقد خلط المشرع بين حق وزارة المالية في تحصيل حقوقها، وبين وظائف القضاء ووزارة العدل والإدارة المحلية التي يتبع لها السجل العقاري في تسليم الأحكام القضائية لأصحابها، وفي تسجيل وتوثيق الحقوق العينية!
محاباة لأصحاب الأرباح!
واللافت في القانون أيضاً أنه استثنى شركات مشاريع التطوير العقاري، المرخصة وفق أحكام قانون التطوير العقاري النافذ، من تطبيق هذا القانون، حيث بقيت أنشطتها وبيوعها خاضعة لأحكام قانون الضريبة على الدخل رقم /٢٤/لعام ٢٠٠٣ وتعديلاته!
ولم يحقق القانون كما وعدتنا الهيئة العامة للضرائب والرسوم بزيادة في الإيرادات الضريبية للخزينة العامة نتيجة لحالة الركود في الأسواق، والتي يعد القانون أحد أسبابها، ولم تعد بالنفع العام على المواطنين، ولم تنعكس إيجاباً على الخدمات المقدَّمة لهم، بل زادت من التعقيد والروتين في المعاملات!
الجدير بالذكر أنه في بعض دول العالم تعفي الدولة المتعاملين من دفع الضريبة إذا كان المنزل قد اشتري بقصد السكن، أو إذا كان المواطن لا يملك منزلاً سواه، ولكن المشرع في سورية لم يفرق بين تاجر البناء، الذي عادة ما يتهرب من دفع الضريبة ويلقيها على عاتق الشاري، وبين من يبيع ويشتري بقصد السكن وليس التجارة، بل على العكس، فقد أعفى شركات التطوير العقاري كما ذكرنا من دفع الضريبة!
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1187